يعلم كل أحد شدة الحاجة إلى تدفئة المنازل والبيوت والمساكن في أيام الشتاء لا سيما في البلاد الباردة التي يقضي أهلها في مقاساة ألم البرد ولسع هواءه قريبًا من نصف عام، وقد يشتد قرس البرد في خلالها إلى درجة تسلب الراحة وتكدر العيش وتشوش الفكر وتضطر الأكثرين إلى ملازمة البيوت والفقراء إلى ضروري القوت، وترى من اضطر إلى الخروج من داره لحرفة أو تكسب في حالة يرثى لها من احديداب ظهره وتقوس قامته واعوجاج شقه وتخمير وجهه دع عنك رجف الفقير واقشعرار بدنه واصفرار وجهه وتقلص شدقه وسيلان أنفه، وقد وصف شيئًا من حال المسكين وعنائه في الشتاء الإمام الوالد عليه الرحمة والرضوان بقوله:
ذهب الربيع بوده وبلينه ... وأتى الشتاء ببرده وبطينه
أما الفقير ففي الشتاء هلاكه ... من همه في فحمه وعجينه
وبسقف بيت عياله من وكفه ... وبرجفه من برده وأنينه
وما ألطف ما قاله العارف الشهير الشيخ عبد الغني النابلسي في هذا المعنى وهو:
حلف الشتاء بأنه لا يذهب ... فهو المقيم إلى الربيع يشبب
والريح قد سلب الغصون ثيابها ... وأقامها عريانة تتقلب
والبرد أسكت في الرياض طيورها ... من بعد ما كانت تقوم فتخطب
والنار توقد في البيوت وأنها ... تدعى بفاكهة الشتاء فتعذب
والناس قد لبسوا الفرا مع أنهم ... يعيا عليهم حملهن ويتعب
والشمس قد غطى السحاب شعاعها ... فالوجه منها بالسحاب منقب
بردت وقد لبست عليها فروة ... مما يحيك لها السحاب المسهب