وتفوح أطعمة الشتا ببهارها ... من كل نوع يستلذ فيطلب
ولهم حلاوات يشوقك أكلها ... من كل ما تهوى النفوس وترغب
وضعوا ستائرهم على أبوابهم ... حتى تراهم في البيوت تحجبوا
هذا صنيع الأغنياء لأنهم ... يجدون حاجتهم إليهم تقرب
وخواصر الفقراء ترجف ما لهم ... ثوب يقي بردًا وعزّ المهرب
وا حسرتاه وما لهم من مسعف ... يحنو عليهم والمعيشة تتعب
والله حافظهم على ما هم به ... والعجز ما نعهم بأن يتسببوا
ومسبب الأسباب رازقهم ولا ... سبب يؤثر والمهيمن أقرب
والقصد أن المسكين لا يرد عنه عناءه في الشتاء إلا الدفاء ولا يداوي مرضه فيه إلا الاصطلاء. ولذلك تراه إذا رأى مصطلى هرول إليه وترامى بكليته عليه وكثير من العامة يمضي أواخر ليله في الحمامات ونهاره في القهوات "نعوذ بالله"، فرارًا من عواصف البرد اللاسعة ونسائمة السامة، فإذا حضر وقت الصلوات أقبل الجمهور على المساجد يؤدون فريضة الله ولا تسل عن حالهم حين يشمرون عن سواعدهم وأرجلهم ويتحلقون على برك المساجد للوضوء مما يبهج الناظر من تأثير الإيمان في النفوس وأخذه بمجامع القلوب ثم يؤدون الصلوات وينصرفون بعدها وقد يبقى العاجز والمتعبد في المسجد ولكن يعاني من بقائه فيه ألما لبرودته، بل ربما تألم البعض في بعض المساجد الكبيرة في حال أداء الصلاة فإن أكثر المساجد الكبيرة لا يطاق المكث فيها في الشتاء لولا ضرورة العبادة وما أظن أن المشاهد الأربعة التي في الجامع الأموي بنيت إلا لأن تكون مصلى في الشتاء لمن يأتي المسجد من أطرافه من جيرانه لصغرها، فالناس لا يستغنون في الشتاء عن المساجد ولا يتركونها مهما اشتد البرد وقرص الهواء إلا أن الناظر إليهم وإلى معتكفيهم يرثي لهم. وقد رأى بعض الموفقين أن يؤخذ من ريع وقف المسجد جانب يصرف في الشتاء لتدفئة المساجد بمداخن تدفئ هواءه وأن ذلك سهل على الموفقين من النظار، حسنة الفقراء وغيرهم، مدعاة لإقبال الناس على العبادة وأدائها بخشوع ولعمري أنه رأي يرضاه الله ورسوله وكل مؤمن.