على هذا السبيل وفتح طاقة منه مقدار ما تسع يد المغترف ففعلوا ملبين هذا المشروع وقد لزم من هذا المحظور حرمان الدواب التي تمر ظمأى وكانت ترد هذا السبيل فتشرب منه وهي المقصودة بالذات في الأغلب لكثرة طروق الدواب في الشوارع إذ لم يمكنها الشرب منه لحجز هذا الشباك الحديدي عنه ولزم أيضًا رفض الوقوف عليها إذا كان على حافتها فتعذر ذلك على المتوضئ، ولزم من ذلك تغيير صفة الواقف ومعاكسة رأيه في تعميمه النفع، ولزم أيضًا الشح بمال الغير المتصدق به والتعرض للوعيد الشديد فقد روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم؛ رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل" الحديث. وروى ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعًا:"ثلاثة لا يمنعن: الماء والكلاء والكلأ والنار" ١، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري "وإسناده صحيح" وثم مضار آخر وبه يعلم حرمة هذا التحجير حرمة لا خلاف فيها. وما الأعجب إلا سخاء الأنفس للتعاون على مثل هذا الضرر وبخلهم في الضروريات معلوم. وما ذاك إلا لطمس البصائر. نعم لا ننكر أن تقذير الماء لا يجوز وغسل الأواني والأيدي القذرة فيه محظور طبًّا وشرعًا لما لا يؤمن من انتشار جراثيم مضرة دع عنك تقذير الماء الذي بمجرده يكفي لنفور النفس منه إلا أن حق الجيران أن ينهوا مقذر هذا السبيل أشد النهي ويأخذوا على يديه حتى إذا لم يجد فيه الوعظ ولا النهي فليرفع أمره إلى المحتسب ليضطره إلى ترك ذلك أو مبارحة هذا السوق كليا، وتأثير تعاضد الجيران في بلوغ الغاية أمر لا ينكر، بل لا نجاح إلا بالتعاضد والتعاون إذ التفرق والتخاذل آفة النجاح، وقد اتفق أن علم بعض الناس بأضرار شباك حديدي استحدث في بركة جانب مسجد فسعى في إزالته فأزيل وشكر العقلاء سعيه.
ويقرب من هذا الشباك ما يفعله بعض الناس من تغيير حافة البحرات بقلع أحجارها المبسوطة المفروشة التي يتمكن من الوقوف عليها لمغترف أو متوضئ،