للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

احتمال يصعب البت بأحد الوجهين إلا أنهما إذا وضعا في التوازن رجح الثاني لما تقضيه الصيغة والحالة المأثورة وسر المشروعية. والله أعلم.

ولنرجع إلى المناقشة مع الظاهرية فنقول: قالوا: ورد أن الاثنين فما فوقهما جماعة وكأنهم ذهلوا أن الجماعة في العرف الشرعي غير الجمعة وإنما يتم لهم لو قيل: جمعة بدل جماعة على أن هذا الحديث في إسناده الربيع بن بدر وهو ضعيف كما في المقاصد الحسنة للسخاوي وما ورد معناه أن الاثنين إذا أدركتهما فريضة من الخمسة "غير الجمعة ضرورة" فأم أحدهما الآخر كانت صلاتهما جماعة أي مثابا عليها ثواب الجماعة، وقصد الشارع أن الاثنين ينبغي لهما التضام في أداء الفريضة معا إذا اجتمعا ويكونان جماعة ليرتفع ما يتوهم أن الجماعة لا تكون إلا بعدد وافر حضًّا على التكاتف في العبادة وتوحيد الكلمة.

قلنا غير الجمعة لأن تلك علم بالضرورة أنها لم تقم إلا بالجمع الوافر في مكان واحد فما فوق بقدر الحاجة إليه.

وقولهم إن الجمعة كغيرها١ من الصلوات لا تباينها إلا في اشتراط الجماعة هو من الغلو في الجمود أليس شروطها وسننها وآدابها وما ينبغي في يومها مما ترجم له أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد في أسفارهم واستغرق الأبواب الطويلة كافيا لمباينتها لغيرها. وقد عد ابن القيم في "زاد المعاد" لها خصائص


١ قلت: فيه ما لا يخفى من البعد عن نقطة البحث؛ لأن قولهم: "إن الجمعة كغيرها ... " إنما يعنون في الشروط فقط، وليس في السنن والآداب. وأيضًا فهم يعنون ما لم يأت دليل.
فقد جاء الدليل بشرطية الجماعة كما يأتي، وجاء الدليل بأنها تصلى قبل الزوال كما ذكره المؤلف رحمه الله وشرحاه في الرسالة السابقة. "ناصر الدين".

<<  <   >  >>