للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن" ١ وكان كل واحد منهم يصلي لنفسه وهذه صلاة واحدة فمن باب أولى أن ينهى عن ذلك. ثم قال: وشيء لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة فلا شك في أن تركه أفضل من فعله بل هو بدعة لما تقدم.

وقال الإمام ابن القيم في "إغاثة اللهفان" في بحث النية في الطهارة والصلاة: النية هي القصد والعزم على فعل الشيء ومحلها القلب لا تعلق لها باللسان أصلًا ولذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة في النية لفظ بحال ولا سمعنا عنهم ذكر ذلك، وهذه العبارات التي أحدثت عند افتتاح الطهارة والصلاة قد جعلها الشيطان معتركا لأهل الوسواس يحبسهم عندها ويعذبهم فيها ويوقعهم في طلب تصحيحها، فترى أحدهم يكررها ويجهد نفسه في التلفظ وليست من الصلاة في شيء، وإنما النية قصد فعل الشيء فكل عازم على فعل فهو ناويه لا يتصور انفكاك ذلك عن النية فإنه حقيقتها، فلا يمكن عدمها في حال وجودها، ومن قعد ليتوضأ فقد نوى الوضوء، ومن قام ليصلي فقد نوى الصلاة، ولا يكاد العاقل يفعل شيئًا من العبادات ولا غيرها بغير نية فالنية أمر لازم لأفعال الإنسان المقصودة لا يحتاج إلى تعب ولا تحصيل، ولو أراد إخلاء أفعاله الاختيارية عن نيته لعجز عن ذلك ولو كلفه الله عز وجل الصلاة والوضوء بغير نية لكلفه ما لا يطيق ولا يدخل تحت وسعه، وما كان هكذا فما وجه التعب في تحصيله وإن شك في حصول نيته فهو نوع جنون فإن علم الإنسان بحال نفسه أمر يقيني فكيف يشك فيه عاقل من نفسه، ومن قام ليصلي صلاة الظهر خلف الإمام فكيف يشك في ذلك ولو دعاه داع إلى شغل في تلك الحال لقال إني مشتغل أريد صلاة الظهر، ولو قال له قائل في وقت خروجه إلى الصلاة: أين تمضي؟ لقال: أريد صلاة الظهر مع الإمام فكيف يشك عاقل في هذا من نفسه وهو يعلمه في هذا من نفسه وهو يعلمه يقينًا بل أعجب


١ حديث صحيح أخرجه مالك في "الموطأ" "١- ٨٠- ٢٨" وغيره من حديث البياضي، وله شواهد من حديث أبي سعيد الخدري وابن عمر وأبي هريرة وعائشة وقد خرجتها في "صحيح أبو داود" "١٢٠٣".

<<  <   >  >>