للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في التقاتل، والاختصام، والاتفاق ... وهذا يتحقق بالعطف دائمًا؛ لأنه يقتضي الاشتراك المعنوي الحقيقي١، بخلاف المعية؛ فإنها تقتضي الاشتراك الزمني؛ أما المعنوي فقد تقتضيه حينًا، ولا تقتضيه أحيانًا؛ كما عرفنا٢.

ومثال الثاني: أشرق القمر وسهيل قبله أو بعده.... فتفسد المعية بسبب وجود: "قبل"، أو"بعد".

رابعها: امتناع العطف ووجوب النصب في الأصح إما على المعية، إن استقام المعنى عليها، وإما على غيرها إن لم يستقم؛ "كنصب الكلمة مفعولًا به لفعل محذوف"؛ وذلك منعًا لفساد لفظي أو معنوي، فمثال وجوب النصب على المعية لمانع لفظي يمنع العطف: نظرت لك وطائرًا؛ لأن الأصل الغالب في العطف على الضمير المجرور أن يعاد حرف الجر مع المعطوف؛ كما في قول الشاعر:

فما لي وللأيام لا در درها ... تشرق بي طورًا، وطورًا تغرب

فقد أعاد اللام مع المعطوف٣

ومثال النصب لمانع معنوي يمنع العطف: مشى المسافر، والصحراء، بنصب كلمة: "الصحراء" على المعية؛ إذ لو رفعت بالعطف على كلمة: "المسافر" لكان المعنى: مشت الصحراء، وهذا فاسد٤.

ومثال النصب على غير المعية بتقدير فعل محذوف ينصب الكلمة مفعولًا به: دعينا لحفل ساهر فأكلنا لحمًا، وفاكهة، وخضرًا، وماء عذبًا، وغناء ساحرًا فيجب نصب كلمة: "ماء" وكلمة: "غناء" بفعل محذوف يناسب كلا منهما. والتقدير: وشربنا ماء عذبًا، وسمعنا غناء ساحرًا ... ولا يصح النصب على المعية، ولا على العطف٥ وإلا فسد المعنى، ومثله قول الشاعر:


١ أما الاشتراك في الزمن فقد يقتضيه أو لا يقتضيه؛ فمثل: أكلت خالدة وأختها، قد يقع أكلهما في زمن واحد، أو مختلف كما يتضح في "أ" من ص ٣١٤".
٢ في ص ٣٠٤، ٣٠٥، وكما يجيء البيان الموضح في "أ" من ص ٣١٤.
٣ سيذكر هذا البيت لمناسبة أخرى في باب العطف ج ٣ م ١١٦.
٤ كما سيجيء في ص ٣١٤.
٥ لأن الماء لا يؤكل، وكذا الغناء؛ ولأن سماع الغناء في الحقل الساهر يكون بعد الأكل عادة لا معه في زمنه.
وعند تقدير فعل محذوف مناسب، تنشأ جملة فعلية تكون معطوفة بالواو على الجملة الفعلية الأولى، فالعطف على الأصح عطف جمل، والممنوع عطف المفردات؛ إذ لا يجوز عطف "ماء"، ولا غناء علي: لحمًا، لكن يصح عطف جملة: "شربنا" وجملة: "سمعنا" على الجملة الأولى وهي: "أكلنا"، "وستجيء مناسبة أخرى لهذا في ج ٣ باب العطف عند الكلام على العطف بالواو".

<<  <  ج: ص:  >  >>