للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة ١٣٤: النداء المقصود به التعجب]

أسلوبه:

راقب أحد الشعراء البدر في ليلة صافية، فبهره جماله، وتمام استدارته. ولطف حركته ... فأعلن إعجابه وإكباره بقصيدة مطلعها:

يا للبدور، ويا للحسن؛ قد سلبا ... مني الفؤاد؛ فأمسى أمره عجبا

وراقب آخر الشمس ساعة غروبها، وما ينتابها من صفرة، وتغير، واختفاء؛ فامتلأت نفسه بفيض من الخواطر، سجله في قصيدة منها:

يا للغروب، وما به من عبرة ... للمستهام، وعبرة للرائي

أو ليس نزعا للنهار، وصرعة ... للشمس بين جنازة الأضواء؟

وتكشف يوم من أيام الربيع الباسمة عن صباح عاصف، متجهم، قارس، فقال أحد الشعراء أرجوزة مطلعها:

يا لصباح أغبر الأديم ... قد طعن الربيع في الصميم

فهذه الأساليب: "يا للبدور، يا للحسن، يا للغروب، يا لصباح ... وأشباهها" قد توهم في مظهرها اللفظي وهيئتها الشكلية أنها أساليب استغاثة؛ -كالتي مرت في الباب السالف-١ لاشتمالها على حرف النداء: "يا"، وعلى منادى مجرور باللام المفتوحة. ولكنها حقيقة٢، لا مجازا، ومما يصلح أن يكون مستغاثا حقيقيا، "لا مجازيا"، ولأن المتكلم بها على هذه الصورة لا يطلب التخلص من شدة واقعة، ولا دفع مكروه متوقع. وإنما هي أساليب نداء؛ أريد بها التعجب من ذات شيء، أو كثرته، أو شدته، أم أمر


١ ص٧٧.
٢ الأصل في النداء الحقيقي أن يكون موجها لعاقل، وإلا فهو نداء مجازي لداع بلاغي. طبقا للبيان الذي في ج ص٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>