للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة ١٤٣: نونا التوكيد]

يراد بهما: نونان، إحداهما مشددة مبنية على الفتح، والثانية مخففة مبنية على السكون؛ كالنونين في قولهم: لا تقعدن عن إغاثة الملهوف، وبادرن بمعاونته.

وهما من أحرف المعاني١، وتتصل كل واحد منهما بآخر المضارع والأمر فتخلصهما للزمن المستقبل٢؛ ولا تتصل بهما إن كانا لغيره٣، وكذلك لا تتصل بالفعل الماضي، ولا بأسماء الأفعال مطلقا؛ "سواء أكانت طلبية أم خبرية"٤ ولا بغيرها من الأسماء والحروف؛ نحو: "لا تحملن حقدا على من ينافسك في الخير، وابذلن جهدك الحميد في سبقه، وإدراك الغاية قبله". فالنون في آخر الفعلين حرف للتوكيد، ويصح تشديدها مع الفتح، أو تخفيفها مع التسكين. وقد اجتمعا في قوله تعالى في قصة يوسف: {لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} .

أثرهما المعنوي:

لو سمعت من يقول: "لا تنفع النصيحة الأحمق. ولا يفيده التأديب" ... فقد تتردد في تصديق الكلام، وبداخلك الشك في صحته. ولك العذر في هذا، لأن المتكلم لم يحسن التقدير؛ إذ كان عليه أن يدرك بخبرته وذكائه أن مثل هذا الكلام قد يقابل بالتردد والشك؛ فيعمل على أن يدفعهما، ويمنع تسربهما إلى ذهن السامع، بإحدى الوسائل الكلامية التي عرض لها البلاغون -ومنها: نون التوكيد ... فلو أنه قال: لا تنفعن ... ولا يفيدنه ... لكان مجيء نون التوكيد، بمثابة القسم على صحة الكلام وصدقه، أو بمنزلة تكراره وإعادته بقصد


١ سبق تفصيل الكلام على أحرف المعاني، في ج١ م٥ ص٦٢، باب: "الحرف".
٢ أو تقويه -كما سيجيء.
٣ قد يكون -أحيانا- زمن المضائع والأمر، لغير المستقبل؛ "طبقا للبيان الخاص بهذا في ج١ م٥٤ و٦١ باب الفعل"؛ فلا تدخلهما في هذه الحالة نون التوكيد -ثم انظر "ا" ص١٧٧.
٤ كما تقدم في رقم٧ من ص١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>