للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"رب": ليس بين حروف الجر ما يشبه هذا الحرف في تعدد الآراء فيه. واضطراب المذاهب النحوية، واللغوية في أحكامه ونواحيه المختلفة: "التي منها ناحية معناه، وناحية حرفيته، وناحية زيادته أو شبهها، وتعلقه بعامل أو عدم تعلقه، ونوع الفعل الذي يقع بعده، والجملة التي يوصف بها مجروره ... و ... "، وكان من أثر هذا الاضطراب قديما وحديثا الحكم على بعض الأساليب بالخطأ عند فريق، وبالصحة عند آخر، وبالقبول بعد التأول والتقدير عند ثالث، وكل هذا يقتضينا أن نستخلص أفضل الآراء، بأناة، وحسن تقدير.

وخير ما نستصفيه من معناه، ومن أحكامه النحوية هو ما يأتي:

أ- أن معناه قد يكون التكثير وقد يكون التقليل، وكلاهما لا بد فيه من القرينة التي توجه الذهن إليه، ولهذا كان الاستعمال الصحيح للحرف "رب"، وما دخل عليه أن يجيء بعد حالة خالية من اليقين١ تقتضي النص على الكثرة أو القلة، "كأن يقول قائل٢: أظنك لم تمارس الصناعة، فتجيب: رب صناعة نافعة مارستها، فقد جاءت الأداة "رب"، وجملتها لإزالة أمر مظنون قبل مجيئها". فمثال دلالتها على الكثرة: رب محسود على جاهه احتمل البلاء بسببه، ورب مغمور في قومه سعد بغفلة العيون عنه ... وقولهم: رب أمل في صفاء الزمان قد خاب، ورب أمنية في مسالمة الليالي قد بددتها المفاجئات.

ومثال القلة قولهم: رب منية في أمنية تحققت ... ورب غصة في انتهاز فرصة تهيأت، وقولهم: رب غاية مأمولة دنت بغير سعي، ورب حظ سعيد أقبل بغير انتظار ... والقرينة على القلة والكثرة في الأمثلة السالفة هي: التجارب الشائعة التي يعرفها السامع، ويسلم بها.

ب- وأن أحكامه النحوية أهمها:

١- أنه حرف جر شبيه٣ بالزائد، وله الصدارة في جملته؛ فلا يجوز


١كحالة الظن، أو الشك ...
٢ أو من هو في حكم القائل؛ بأن تدل هيئته على أنه في حالة ظن أو شك، فليس من اللازم أن ينطق فعلًا، وإنما يكفي أن يقدر فيه ذلك، "شرح المفصل جـ ٨ ص ٢٧".
٣ سبق الكلام في ص٤٥٢ على حرف الجر التشبيه بالزائد، وأوجه الاتفاق والمخالفة بينه وبين الأصلي والزائد.

<<  <  ج: ص:  >  >>