للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجب القول: بأنه يؤدي المعنى الآخر الجديد إما تأدية "مجازية" "أي: من طريق المجاز١، لا الحقيقية"، وإما تأدية، "تضمينية"٢ "أي: بتضمن الفعل، أو: العامل الذي يتعلق به حرف الجر الأصلي٣ ومجروره، معنى فعل أو عامل آخر يتعدى بهذا الحرف"، فحرف الجر مقصور على تأدية معنى حقيقي واحد يختص به، ولا يؤدي غيره إلا من طريق "المجاز" في هذا الحرف، أو من طريق "التضمين" في العامل الذي يتعلق به الجار الأصلي٣ مع مجروره.

فمن الأمثلة للمجاز: الحرف الأصلي "في"؛ فمعناه الحقيقي: "الظرفية" "أي: الدلالة على أن شيئًا يحوي بين جوانبه شيئًا آخر. . . و. . . كما سبق٤، فإذا قلنا: "الماء في الكوب"، فهمنا أن الكوب يحوي بين جوانبه الماء؛ فيكون الحرف "في" مستعلًا في تأدية معناه الحقيقي الأصيل، ولكن إذا قلنا: "غرد الطائر في الغصن. . ."، لم نفهم أن الغصن يحوي في داخله وبين جوانبه الطائر المغرد؛ لاستحالة هذا، وإنما نفهم أنه كان على الغصن وفوقه، لا بين ثناياه. فالحرف: "في" قد أدى معنى ليس بمعناه الحقيقي الأصيل، فالمعنى الجديد؛ وهو: "الفوقية"، أو"الاستعلاء" إنما يؤديه حرف آخر مختص بتأديته، هو: "على" فلو راعينا الاختصاص وحده لقلنا: غرد الطائر على الغصن، فالحرف: "في" قد أدى معنى ليس من اختصاصه، بل هو من اختصاص غيره، وهذه التأدية ليست على سبيل الحقيقية، وإنما هي على سبيل المجاز، واجتمع للحرف: "في" الشرطان اللذان لا بد من تحققهما لصحة استعمال المجاز٥، فالظرفية بما تقتضيه من تمكن وثبات شبيهة بالاستعلاء الذي يقتضي التمكن والثبات أيضًا؛ فاستعملنا "الظرفية" مكان الحرف لدال على "الاستعلاء"؛


١ وفي هذه الحالة يجب أن يتحقق للمجاز ركناه الأساسيان؛ وهما؛ العلاقة، والقرينة، انظر معناهما في رقم٥ من هذا الهامش. . .
٢ سبق شرح "التضمين" في هذا الجزء ص١٦٨ من باب: تعدية الفعل ولزومه"، ولأهميته سجلنا له بحثًا خاصًا مستقلًا آخر هذا الجزء ص ٥٦٤، وبعدها رأيي الخاص في: "التضمين".
٣ و ٣ وملحقه.
٤ الكلام عليه في ص ٥٠٧.
٥ هما: "العلاقة أي: الصلة بين المعنى المنقول منه والمعنى المنقول إليه"، "والقرينة التي تصرف الذهن عن المعنى الأصلي إلى المعنى المجازي الجديد".

<<  <  ج: ص:  >  >>