اعترف به من أن كلا من المعنيين مراد بخصوصه، ثم قال: إن التضمين على المعنى الذي قررناه، لا اشتباه بينه وبين المجاز المرسل؛ لأنه مشروط يتعذر المعنى الحقيقي، وهو فيه متعذر، نعم يلزم اندراجه تحت مطلق المجاز، وبين أن الحق أنه ركن مستقل من أركان البيان، كالكناية أو المجاز المرسل، وأنه فيه مندوحة عن تكلف الجمع بين الحقيقية والمجاز، وفي قوله:"إن المعنى الحقيقي في التضمين غير متعذر"، نظر؛ لأنه متعذر بواسطة القرينة كما عرف مما مر، ولا بد من المصير إلى المجاز، أو الجمع بين الحقيقة والمجاز؛ لأن القرينة في المجاز إنما تمنع من إرادة الحقيقية فقط، فاحفظه، فإنه مما يقع فيه الغلط.
ثم إنه علم من كلامه أن في المذهب الذي اختاره السلامة من الجمع بين الحقيقة والمجاز اللازم على بعض الأقوال، وهو القول الثاني المتقدم، كما عرفت تحقيقه مما مر، فدعوى أن شبهة الجمع في التضمين مطلقًا واهية، دعوى باطلة، ولم يرد بذلك على السيد، كما لا يخفى على من راجع كلامه، وإن كلام السيد لا يتوهم فيه ذلك الجمع، فمن قال: إنه اعترض عليه بذلك فقد افترى.
في كلام ياسين ثمانية أقوال في التضمين:
الأول: أنه مجاز مرسل؛ لأن اللفظ استعمل في غير معناه لعلاقة وقرينة.
الثاني: أن فيه جمعًا بين الحقيقة والمجاز لدلالة المذكور على معناه بنفسه، وعلى معنى المحذوف بالقرينة.
الثالث: أن الفعل المذكور مستعمل في حقيقته لم يشرب معنى غيره، "كما جرى عليه صاحب الكشاف"، ولكن مع حذف حال مأخوذة من الفعل الآخر المناسب، بمعونة القرينة اللفظية، كما ذكر السعد.
وقال السيد:"ذهب بعضهم إلى أن اللفظ مستعمل في معناه الحقيقي، فقط، والمعنى الآخر مراد بلفظ محذوف يدل عليه ما هو من متعلقاته"، وفيما مثل به جعل المحذوف أصلًا، والمذكور مفعلًا و"كأحمد إليك فلانًا"، أي: أنهى إليك حمده، بمعنى أن المذكور يدل على ذلك كما يدل على الحال، وقد أراد السيد بيان وجه آخر، ليفيد أن ذلك أمر اعتباري لا ينحصر فيما قاله السعد.