وقد قلنا إن المصدر لا بد أن يشتمل على كل حروف فعله الماضي، أو على أكثر منها. والمراد اشتماله عليها لفظًا أو تقديرًا. فاللفظي أن تكون جميع الحروف موجودة منطوقًا بها؛ نحو: أخذت أخذًا. تعلم الصبي تعلمًا، والتقديري: أن يكون الحرف محذوفًا قد عوض عنه حرف آخر، كمجيء تاء التأنيث في آخر المصدر عوضًا عن واو الفعل، في مثل وعد، عِدَةً، وكالتاء أيضًا حين تكون في أوله عوضًا، مثل سلم تسليمًا، وعلم تعليمًا؛ فإن إحدى اللامين حذفت من المصدر وجاءت في أوله التاء عوضًا. أو يكون الحرف محذوفًا للتخفيف وكثرة الاستعمال، مع ظهوره أحيانًا في بعض اللهجات واللغات؛ مثل: ضارب ضرابًا. قاتل قتالًا ... والأصل: ضيرابًا وقيتالًا؛ فقلبت الألف ياء لوقوعها بعد الكسرة، ثم حذفت تخفيفًا، ومن العرب من كان يظهرها.
ومثال اشتمال المصدر على حروف أكثر من حروف فعله الماضي: إكرام، وإجمال -وأشباهمها؛ فإنهما مصدران للفعلين: "أكرم، وأجمل" وقد زيد في وسط كل مصدر منها الألف. ومثل: "فرقان" مصدر "فَرَق" فقد زيد في وسطه الألف. ومثل الألف التاء في كلمة: "معاونة" مصدر: عاون.
ب- وأما اسم المصدر "وهو مقصور على السماع" فقالوا في تعريفه: "إنه ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه، وخالفه بخلوه لفظًا وتقديرًا من بعض حروف عامله -الفعل، أو غيره- دون تعويض". وذلك كعطاء؛ فإنه مساوٍ لإعطاء في المعنى، ومخالف له بنقص الهمزة الأولى لفظًا وتقديرًا من غير أن يعوض عنها شيء. فإن خلا منه لفظًا ولم يخلُ تقديرًا فليس اسم المصدر؛ وإنما هو مصدر -كما تقدم- مثل كلمة قتال؛ فإن أصلها: قيتال، على الوجه الذي شرحناه في هذه الصفحة، وإن خلا منه لفظًا ولكن مع تعويض عنه فليس باسم المصدر، وإنما هو مصدر أصيل؛ نحو: عدة، مصدر الفعل "وعد" فقد حذفت الواو، وجاءت التاء في آخر الاسم عوضًا عنها؛ كما قلنا آنفًا. فلا بد في اسم المصدر من نقص بعض حروفه الأصلية أو الزائدة. وأن يكون النقص بغير تعويض عنه، وبغير وجود المحذوف مقدرًا.
إن الفرق اللفظي بين المصدر الأصلي واسم المصدر واضح مما سبق "ولا سيما قصر "اسم المصدر" على السماع، أما المصدر الأصلي فمنه القياسي ومنه السماعي ... " ولكن الفرق المعنوي بينهما في حاجة إلى تجلية وإبانة. فما معنى: "أن اسم المصدر يساوي المصدر في الدلالة على معناه؟ "
ذهب النحاة في الإيضاح مذاهب لا تخلو من غموض أو نقص. ولعل خيرها ما جاء في كتاب: "الأشباه والنظائر" للسيوطي، منسوبًا لابن النحاس: قال ما نصه: "الفرق بينهما أن المصدر في الحقيقة هو الفعل الصادر عن الإنسان وغيره؛ كقولنا: إن كلمة "ضَرْب" هي مصدر في قولنا: يعجبني ضرب زيد عمرًا. يكون مدلوله:"معنى""يقصد: أن مدلول كلمة "المصدر" ومفهومها وسماها، هو أمر معنوي محض، وأنه هو المصدر حقيقة، لا مجازًا. أما اللفظ المذكور في الجملة، المركب من حروف هجائية معينة، فليس بالمصدر الحقيقي" وسموًا ما يعبر به عنه مصدرًا، "مجازًا"، "أي: تسمية مجازية، لا حقيقية" -نحو:"ضرْب" في قولنا: إن: "ضرْبًا" مصدر منصوب، إذا قلت: ضربت ضربًا؛ فيكون مسماه لفظًا". ا. هـ =