للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحسنة الوجه١؛ فلو لم تكن الصفة مسندة إلى ضمير الفتاة لوجب تذكيرها كما تذكر مع فاعلها المرفوع؛ لهذا كان من المستحسن -وقيل: من الواجب- في مثل: أقبلت الفتاة الجميل وجهها أن تضاف الصفة إلى فاعلها؛ فيقال: أقبلت الفتاة الجميلة الوجه، لأن في الإضافة تخفيفًا وتقليلًا من عدة أمور تتشابه في أن كل اثنين منها بمنزلة شيء واحد، ففي المثال السابق قبل الإضافة "وهو: مررت بالفتاة الحسن وجهها" -الجار والمجرور بمنزلة الشيء الواحد، وكذلك الصفة مع الموصوف، والفعل مع فاعله، والمضاف مع المضاف إليه. وكل هذه الأمور المتشابهة المجتمعة تقتضي التخفيف، ولم يمكنهم أن يزيلوا منها شيئًا إلا الضمير؛ حيث تصرفوا في شأنه، فنقلوه، وجعلوه فاعلًا بالصفة، فاستتر فيها؛ لأن الصفة في هذه الصورة تعد بمنزلة الجارية على من هي له٢، حيث رفعت ضميره، ومن ثم استحسنت الإضافة في المثال السالف، وفي نحو: أقبلت الفتاة الجميلة وجهها، فيصير: أقبلت الفتاة الجميلة الوجه، ولم تستحسن، أو لم تصح في: محمد كاتب الأب، "وأصله قبل الإضافة. محمد كاتب أبوه"؛ لقلة الأشياء المتشابهة التي تقتضي التخفيف.

وسبب آخر -عندهم- هو: أن الإسناد في مثل؛ الفتاة الجميلة الوجه -بإضافة الصفة إلى فاعلها- قد تغير؛ فصار الجمال مسندًا إلى الضمير العائد إلى الفتاة كلها بعد أن كان الإسناد متجهًا إلى وجهها فقط، وهو جزء منها، أي: أن الإسناد في ظاهره هو للكل، ولكن المراد منه الجزء على سبيل المجاز؛ لأن من جَمُل وحَسُن بعضه ساغ أن يسند الجمال والحسن إلى كله مجازًا؛ لحكمة بلاغية؛ قد تكون المبالغة أو نحوها ... وهذا لا يستساغ في مثل: محمد الكاتب الأب "والأصل: محمد كاتب أبوه"؛ لأن من كتب أبوه لا يحسن أن تسند الكتابة إليه إلا بمجاز بعيد غير مقبول، سرى من المضاف -وهو "الأب"- إلى المضاف إليه؛ وهو: "الهاء". فهو


١ إيضاح هذا في ص٣٠٣.
٢ سبق إيضاح الكلام على الضمير العائد على من هو له أو غير من هو له في ج١ ص٣٣٥ م٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>