للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقول: استمعت إلى خطيب فصيح اللسان، عذبِ البيان، قويِّ الحجة. أو: استمعت إلى خطيب فصيحٍ لسانًا، عذبٍ بيانًا، قويِّ حجةً.

فكلمة: "فصيح" نعت حقيقي، والمنعوت هو: خطيب، وليس منعوتًا أصليًّا؛ ولكنه بمنزلة الأصلي وفي حكمه؛ لأن الجملة كانت في أساسها الأول: استمعت إلى خطيب فصيح لسانُه١ ... فالفصيح هو اللسانُ لا الخطيب. لكن جرى على الجملة تَغيير اقتضى أن يتركً الضمير البارز مكانه، وينتقل إلى النعت، ويستتر فيه، ويصير مسندًا إليه٢، فاعلًا، ويعرب الاسم الظاهر بعد النعت مضافًا إليه مجرورًا، ويصحّ أن يعرب تمييزًا منصوبًا، إن كان نكرة. أو منصوبًا على التشبيه بالمفعول به إن كان نكرة أو معرفة. وصارت كلمة: "فصيح" –وهي النعت –مشتملة على ضمير مستتر محوَّل٣، إليها من مكان آخر، وبسبب انتقال هذا الضمير إلى مكانه الجديد صار النعت يدل على معنى يدل على معنى في المنعوت بعد أن كان يدل على معنى في شيء آخر له صلة بالمنعوت. فالمنعوت في الحالة الجديدة صار منعوتًا بعد تحويل وإسناد جديدين. حين تَمَّا اتجه المعنى إليه، مع أنه ليس المقصود في الحقيقة بالنعت. لكن الصلة بين هذا النعت والاسم الظاهر بعده قوية، ومن أجلها كان النعت بمنزلة الاسم الظاهر، وفي حكمه المعنوي. ومثل هذا يقال: في عذب البيان، وقوي الحجة..


١ لأن الأصل أن ترفع الصفة المشبهة فاعلها ... فهي محتاجة إليه كالفعل أشد من احتياجها إلى غيره.
٢ مجازًا؛ وذلك للسبب الذي تكرر إيضاحه في إضافة اسم الفاعل لفاعله "ص٢٤٢ و٢٦٧ و٢٩٢ وفي إضافة اسم المفعول ص٢٧٥ و٢٨٠ والصفة المشبهة ص٣١٢" ومن ثم كانت تسمية النعت في هذه الحالة نعتًا حقيقيًا هي تسمية "مجازية" لسبب الذي شرحناه في الأبواب المذكورة، وهو جريانه على غير من هو له؛ إذ حول فيه الإسناد عن الظاهر إلى ضمير الموصوف، وصار الظاهر مجرورًا بالإضافة. ويجوز نصبه تمييزًا إن كان نكرة. كما يجوز نصبه على التشبيه بالمفعول به إن كان نكرة أو معرفة. أما النعت الحقيقي الأصلي فيجري فيه الضمير على الموصوف الذي هو له مباشرة، فليس فيه رائحة مجاز، أي: أن النعت يرفعه أصالة. أما في الأخرى فيرفعه بعد التحويل.
٣ أي: منقول.

<<  <  ج: ص:  >  >>