للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاحتمال التخاصم من أحدهما دون الآخر؛ لأن التخاصم لا يتحقق معناه إلا بوقوعه من اثنين حتمًا؛ فلا فائدة من صيغة التوكيد هنا، ومثله: تَقَاتل اللصان، وتحارَب العدوانِ، وأشباه هذا من كل يخْلو من الاحتمال، ويدل على "المفاعلة" الحقيقية، أي: المشاركة الحتميَّة بين شيئين ...

الثالث:

نوع يراد منه إفادة التعميم الحقيقي المناسب لمداولة المقصود، وإزالة الاحتمال عن الشمول الكامل. وأشهر ألفاظه ثلاثة: "كُلِّ، جميع، عامَّة ". وأقواها في التوكيد، وأكثرها أصالة، هو: كُلَّ، ثم جميع، ثم عامة نحو: قرأت ديوان المتنبي كلَّه، واستوعَب قصائدَه كلَّها. فلو لم نأت بكلمة: "كُلِّ" لكان من المحتمل أن المراد من المقروء ومن المستوعَب، هو: الأكثر، أو الأقل، أو النصف، أو غير ذلك؛ إذ ليس في الكلام ما يدل على الإحاطة الكاملة، والشمول الوافي. فمجيء لفظ: "كلّ"١ منع –في الأغلب– الاحتمالات، وأفاد الإحاطة والشمول بغير مبالغة ولا مجاز٢ ...

ومثل هذا: غردت العصافير جميعُها لاستقبال الصبح. فلو لم تُذكَر كلمة: "جميع" لكان من المحتمل أن المراد هو تغريد أكثرها، أو بعض منها ... إذ ليس قي الكلام ما يقطع بالدلالة على الإحاطة والشمول، فلما جاءت كلمة: "جميع" أزالت –في الأغلب– الاحتمال، وأفادت العموم القاطع.

ومثلها كلمة: "عامة" "والتاء في أخرها زائدة لازمة لا تفارقها في إفراد، ولا في تذكير. ولا في فروعهما. وهي للمبالغة، وليست للتأنيث"، تقول: حضر الجيش عامَّتُه، حضر الجيشان عامَّتُهما، حضر الجيوش عامَّتُهم، حضرت الفرقة عامَّتُها، حضرت الفرْقتان عامَّتُهما، حضرت الفرَق عامَّتهُن ...

حكمها: لابد في استعمال كل لفظ من هذه الثلاثة في التوكيد أن يسبقه المؤكَّد، وأن


١ "كل" المستعملة في التوكيد قد تفيد الدلالة على "الكل المجموعي" أو: "الكل الجميعي" طبقًا للبيان الآتي في رقم ٦ من هامش ص٥١٢ وهي في الحالتين تختلف في معناها وحكمها في كلمة: "كل" المستعملة نعتًا. والتي سبق الكلام عليها في رقم ٤ ص٤٦٦.
٢ انظر "الملاحظة" التي في ص٥١٥ بشأن المراد من "الشمول" وأحواله في الألفاظ الدالة عليه؛ مثل: كل، جميع، عامة ...

<<  <  ج: ص:  >  >>