للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هـ- وإن كان المؤكَّدُ جملة اسمية أو فعلية جاز تكرارها بعطف صُورِيّ أو بغير عطف. والأكثر أن يكون بالعطف الصَّورِيّ، وأن يكون العاطف المهمل هو الحرف "ثمَّ"١ –غالبًا- ومن الأمثلة قوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ، وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} ٢ ... وقولهم للتَّقيّ: "الثواب عظيم، الثواب عظيم". وللشقيّ: "الحساب عسير، الحساب عسير".

ومما تجب ملاحظته أن العاطف هنا مهم لا يعطف مطلقًا، فهو صوريّ، أيْ: في صورة العاطف وشكله الظاهر، دون حقيقته٣ ...

ويجب ترك العطف بين الجملتين إذا أوقع في لبس، نحو: عاقب الحاكم اللصوص، عاقب الحاكم اللصوص، فلو قلنا؛ عاقب الحاكم اللصوص ثم عاقب الحاكمُ اللصوص لوقع في الوهم أن العقاب تكرر، وأنه مرتان؛ إحداهما بعد الأخرى. مع أن المراد: مرة واحدة.

و نعيد هنا ما قلناه في مناسبة سابقة٤، وهو أن توكيد المصدر لعامله نوع من التوكيد اللفظيّ، فيؤكد نفس عامله إن كان مصدرًا مثله، ويؤكد مصدر عامله الذي ليس بمصدر، ليتحد المؤكَّد والمؤكِّد معًا في نوع الصيغة؛ تطبيقًا لشرط التوكيد اللفظي –ومنه التوكيد بالمصدر الذي نحن فيه– فمعنى


١ الأكثر أن العاطف هو "ثم" وليس بالواجب المتعين في رأي "الرضي" الذي يبيح مجيء "الفاء" مكان "ثم"؛ مستدلًا بقوله تعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ... } إذ التقدير عنده: "أولى لك فأولى لك"؛ فكلمة: "أولى" الثانية مبتدأ حذف خبره، والجملة الاسمية من هذا المبتدأ وخبره المحذوف توكيد لفظي للجملة الاسمية التي قبل الفاء المهملة. أما غير الرضي فيوجب الاقتصار على الحرف: "ثم" ويقول في إن الآية السابقة كاملة هي: "أوْلَى لك فأولىَ، ثم أولى لك فأولى" ما بعد الفاء جملة اسمية معطوفة عطفًا حقيقيًا على الجملة الاسمية قبلها، والجملة بعد الحرف "ثم" المهمل توكيد لفظي للجملة قبلها. رأى الرضي أحسن.
٢ ومثل قول الشاعر –وقد سبق في ص٥٢٦-.
ألا يا أسلمي، ثم أسلمي، ثمت أسلمي ...
٣ كما سيجيء في بابه، عند الكلام على: "الفاء"، وكذا في ص٥٧٨ و.... عند الكلام على: "ثم".
٤ في باب "المفعول المطلق ج٢ ص١٦٩ م٧٤" عند الكلام على تقسيم المصدر بسحب فائدته المعنوية.

<<  <  ج: ص:  >  >>