للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والضابط الذي يجب الاعتماد عليه في هذا الشأن هو أن يوضع في مكان اسم الفعل، الفعل الذي بمعناه؛ فما يصح أن يكون فاعلا لهذا الفعل يصح أن يكون فاعلا لاسم الفعل الذي يدل عليه، ويقوم مقامه، وما لا يصلح للفعل لا يصلح لاسمه أيضا.

واعتمادا على هذا الضابط يتعين أني كون فاعل اسم الفعل، دالا على المفرد المذكر، أو المؤنث، أو المثنى، أو الجمع بنوعيهما -على حسب ما يناسب السياق، ففي مثل: "صه" -كما سبق- قد يكون الفاعل: أنت، أنت، أنتما، أنتم، أنتن، على حسب المخاطب. وقد يكون الفاعل متعددا إذا كان الفعل يحتاج إلى فاعل متعدد، نحو شتان السابق واللاحق في البراعة، كما تقول: افترق السابق واللاحق في البراعة، لأن الافتراق في البراعة أحد الأمور المعنوية١ التي لا تتحقق إلا من اشتراك اثنين معا. أو أكثر في تحقيقها، فيجيء له اسمان مرفوعان به، أحدهما فاعل بغير واسطة، وبعده الآخر مسبوقا بواو العطف -دون غيرها- واسعة بين الفاعل المعطوف، والفاعل المعطوف عليه٢.


= أما في الثانية: "هاء بالمد" فقد تلتزم صورة واحدة للجميع؛ فتقول: هاء يا على الكتاب، أو يا فاطمة، أو يا عليان، أو يا فاطمتان، أو يا عليون، أو يا فاطمات. ويصح أن يتصل بآخرها علامة الإفراد والتذكير وفروعهما، فتقول: هاء يا علي "بالبناء على الفتح" وهاء يا فاطمة "بالبناء على الكسر" وهاؤما في المثنى، وهاؤم في جمع المذكر، وهاؤن في خطاب جمع المؤنث، فالضمير "ما" و"الميم" و"النون" هو الفاعل، وهو ضمير بارز في هذه الصورة التي هي أفصح من سابقتها وعليها قوله تعالى {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} -راجع ج٤ ص٤٣ من شرح المفصل.
١ انظر ما يختص بهذا في ص١٤٢ و١٤٦.
٢ وقد تقع "ما" الزائدة بعد "شتان" مباشرة وقبل الفاعل؛ كقول الأعشى:
"يصف شقاءه. وما يلقاه من العناء كل يوم. على حين يقضي "حيان" أخو جابر يومه في الرفاهة والمتعة بضروب النعم -"وحيان" هذا أحد سادات بني حنيفة، ومن أوسعهم ثروة، وأعظمهم حظوة عند ملوك الفرس.
شتان ما يومي على كورها ... ويوم حيان أخي جابر
فكلمة: "ما" زائدة، و"يوم" الأولى" فاعل، والثانية معطوفة عليها بالواو، فهي فاعل في المعنى كالأولى. وقد ورد في الفصيح وقوع: "ما بين" بعد شتان، ومنه قولهم: "لشتان ما بين اليزيدين في الندى".
والأسهل في هذه الصورة أن تكون "شتان" بمعنى: "بعد" وما اسم موصول. أي: بعدت المسافة بين اليزيدين، والشرط -وهو أن التفرق لا يحصل إلا من اثنين فأكثر- متحقق؛ لأنه إذا تباعد ما بينهما فقد تباعد كل واحد منهما عن الآخر، ومثل هذا قول علي رضي الله عنه:
"شتان ما بين عملين، عمل تذهب لذته، وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤنته، ويبقى أجره".

<<  <  ج: ص:  >  >>