للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- ويجب نصب المضارع في كل حالة من الحالات الثلاث السالفة التي لا تصلح للرفع؛ وهي:

أ- أن يكون زمنه -وقت التكلم- ليس حالا، حقيقة ولا تأويلا، بأن كون زمنه ماضيا١ خالصا، أو مستقبلا خالصا، فمثال الماضي المحض؛ "في سنة عشرين من الهجرة تم فتح مصر على يد العرب حتى ينقدوها من ظلم الرومان" ... فالفتح والإنقاذ وقعا في زمن خالص المضي، وبقيا هنا على حالهما من غير تأويل زمنهما بالحال. ومثل: "بنى العباسيون مقياسا للنيل بجزيرة الروضة٢ حتى يعرفوا زيادته ونقصه".

ومثال المستقبل الحقيقي: "في الشهر القادم يزور بلادنا وفود من العلماء الأجانب حتى يطلعوا على مظاهر الحضارة والتقدم عندنا، وسننتهز فرصة وجودهم للانتفاع بعلمهم وتجربتهم حتى تقوم مشروعاتنا العمرانية الجديدة على أسس علمية وفنية صحيحة"؛ فالمراد: لكي يطلعوا في المستقبل "الشهر القادم" على مظاهر الحاضرة، ولكي تقوم مشروعاتنا في المستقبل على أسس علمية بعد زيارتهم، وكذلك بعد انتهاز الفرصة للانتفاع بهم. والزمن المستقبل هنا هو الزمن الاتي حقا، ولا يكون مجيئهم إلا بعد انتهاء الكلام، وقول الشاعر:

يا ليت من يمنع المعروف يمنعه ... حتى يذوق رجال غب ما صنعوا

أي: لأجل أن يذوق أولئك الرجال في المستقبل غب ما صنعوه. والمستقبل


١ الفرق بين المضارع الذي يكون زمنه خالص المضي "أي: باقيا على مضي زمنه" والمضارع الذي كان أصله زمنه ماضيا ثم صار للحال حكاية وتأويلا -وهو أن الأول حكمه النصب، وأن الكلام قبل "حتى" يفيد الإخبار بوقوع معناه وتحققه، وأن معنى الكلام بعدها مترقب الحصول في المستقبل، ينتظر تحققه ووقوعه، من غير أن يفيد الجزم بتحققه ووقوعه. أما الثاني فحكمه الرفع، والمعنى بعد "حتى" مسبب عن المعنى قبلها، وغاية له، وكلاهما واقع متحقق، غير أن المعنى قبلها واقع متحقق على سبيل الحقيقة، والمعنى بعدها واقع على سبيل حكاية الحال، مع إفادة أنه مسبب عن الأول "ولهذا إيضاح في ص٣٤٨".
وعلى المتكلم أن يلاحظ عند ضبط المضارع بالرفع أو النصب ما يترتب على نوع الضبط من الآثار المعنوية؛ فيختار النوع الذي يؤدى للمعنى المراد.
٢ في الجنوب الغربي من مدينة القاهرة الحالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>