للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- يعرض النحاة هنا لمسألة هامة دقيقة، ويعطونها من العناية والتوفيه ما يناسبها؛ وهي مسألة النفي١ الذي قبل الفاء المسبوقة بجملة؛ أينصب على ما قبل الفاء وما بعدها معا، أم ينصب على أحدهما فقط؛ وما نوع الفاء وضبط المضارع في الصور المختلفة؟ ويجيبون: إن الأمر يتوقف على المعنى، وما يقتضيه السياق؛ فقد يستدعيان تسليط النفي على ما قبلها وما بعدها معا، وقد يستدعيان تسلطه على أحدهما دون الآخر ... ، ثم هما قد يقتضيان اعتبار الفاء للاستئناف الخالص، أو للعطف المحض وحده. أو للعطف مع إفادة "السببية الجوابية"٢ ... والقرينة وحدها هي التي توجه إلى المراد؛ فلا بد منها، وإلا وجب العدول عن هذا الأسلوب إلى غيره مما لا يثير مشكلات في الضبط أو المعنى. وفيما يلي البيان:

.... إذا قلت: "ما تحضر فتحدثنا" ... جاز رفع الفعل: "تحدث" على أحد اعتبارات ثلاثة؛ وجاز نصبه على أحد اعتبارين. ولكل واحد من الخمسة أثره الإعرابي والمعنوي الذي يخالف الآخر، واختيار واحد منها دون غيره متوقف على مناسبته المعنى والسياق، ولا يصح اختيار واحد ون التقيد بهذه المناسبة، وإلا كانت اللغة عبثا وفوضى. فأوجه الرفع الثلاثة هي:

١- الرفع؛ على اعتبار الجملة الأولى منفية المعنى، و"الفاء" للاستئناف الخالص، فما بعدها جملة مستقلة في إعرابها عن الأولى، فلا تتأثر بنفي الأولى. فكأنك تقول: أنت ما تحضر في المستقبل، ولهذا أنت تحدثنا الآن. إنما قلنا في "المستقبل" مع أن المضارع يصلح للحال والاستقبال إن لم يوجد مانع لوجود ما يمنع الاستقبال هنا؛ وهو التخاطب مع شخص معين؛ فلا يصح أن تنفي عنه الحضور في الزمن الحالي مع أنك تخاطبه فيه خلال حضوره. وقلنا: "الآن"؛ لأن الزيادة في المستقبل منفية؛ فلا يقع في المستقبل حديث؛ إذ هو منفي تبعا لها؛ فلم يبق إلا أن يكون وقت الحديث هو الآن، أي: وقت الكلام.

ومثله قولك للمسافر: لن أراك عدة أشهر؛ فأودعك داعيا لك، حزينا


١ ومثله النهي -وسيجئ أيضا.
٢ انظر "ج" من ص٣٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>