للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عملها:

واو المعية -هنا- حرف عطف في المشهور، مع إفادته المصاحبة١ والاجتماع والمضارع بعده منصوب بأن المضمرة وجوبا، ومنه كما عرفنا: متجرد للاستقبال الخالص، والمصدر المؤول بعده معطوف بالواو على مصدر مذكور في الكلام السابق. فإن لم يوجد في الكلام السابق مصدر وجب تصيده بالطريقة التي سلفت في العطف بفاء السببية٢.

ويشترط لنصب المضارع بأن المضمرة وجوبا بعد "واو المعية" أن تكون واو المعية مسبوقة إما بنفي محض، أو بما يلحق به. وقد شرحناهما٣ وإما بنوع من أنواع الطلب الثمانية التي سبق بيانها وشرحها في "فاء السببية"٤. غير أن بعض النحاة يمنع وقوع "واو المعية" بعد أربعة أنواع من الطلب؛ هي: "الدعاء، والعرض، والتخصيص، والترجي". وحجته: أن السماع الكثير لم يرد بواحد منها، والسماع الكثير هو الأساس للقياس؛ فلا يصح الإقدام على نصب المضارع بعدها ما دام هذا الأساس مفقودا. ولا يصح عنده النصب حملا لواو المعية على "فاء السببية"؛ لأن الحمل -برغم التشابه بينهما في كثير من الأمور- لا داعي له. ورأيه وجيه.


= دلالته -دائما- على المعية نصا، ولا يليه إلا المضارع بالشروط التي سنعرفها. وإما قلنا مع دلالته الدائمة على المعية نصا؛ لأن الواو العاطفة لا تدل على المعية نصا، وإنما تدل عليها بقرينة أخرى خارجة عنها، فمن يقول: دعوت الضيف والشريك لزيارتي -قد يقصد أنه دعاهما مع في وقت واحد، وقد يقصد أنه دعاهما في وقتين مختلفين؛ فليس في الكلام ما يعين أحدهما نصا؛ لأن الواو العاطفة تدل على مجرد التشريك في المعنى، ولا تدل على المصاحبة الزمنية والاجتماع في أثناء تحققه إلا بقرينة. وهذا هو المراد من قوله: إنها لمجرد الجمع، أي: للتشريك في المعنى من غير دلالة حتمية على ترتيب، أو تعقيب، أو مصاحبة ... بخلاف الدالة على العطف والمعية معا، فإنها تجمع بين الأمرين في وقت واحد، ووقوع المضارع بعدها منصوبا دليل على أن المتكلم يريد الأمرين معا.
"وقد سبق بيان هذا في باب العطف، ج٣ ص٤١٢ م١١٨ وفي المفعول معه ج٢ ص٢٢٦ م٨٠".
١ والكوفيون يمنعون العطف بها -كما سيجيء في ص٣٧٩- وهامشها.
٢ ص٣٥٨.
٣ ص٣٥٥.
٤ في ص٣٦٥ ويلحق بالطلب أداة الشرط إذا وقع المضارع المسبوق بالواو متوسطا بين شرطها وجوابها، أو متأخرا عنهما، ففي حالة التوسط أو التأخر يجوز اعتبار الواو للمعية، ونصب المضارع بعدها بأن المضمرة وجوبا، كما يجوز عدم اعتبارها للمعية فلا ينصب المضارع. وكل هذا على حسب الاعتبارات المعنوية التي تقدمت في فاء السببية، في رقم ٣ من ص٣٧٢، والتي ستجيء في الجزم، ص٤٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>