للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحتى ... و ... و ... " فلأن كلا منها يؤدي معنى خاصا محتوما؛ كالسببية، والمعية، والتعليل، والغائبة ... و ... ، وكل هذه معان عقلية مجردة، لا حالالته فيها لزمان، أو مكان، أو ذات، أو غيرها ... -على الوجه الذي شرحناه- فلا توافق بينها وبين المضارع؛ لاقتضائه الزمان حتما. فلا مفر من البحث عن وسيلة تمنع التعارض هنا، وتجعل الجملة المضارعية بعد هذه الأحرف المعينة، في عداد ما يدل على الأمر المعنوي المحض، وهذه الوسيلة هي المصدر المسؤول. والحرف السابك هو "أن" دون غيره من الأحرف السالفة التي تسبق المضارع المنصوب؛ لأن اختيار واحد من تلك الأحرف السالفة التي تسبق المضارع المنصوب؛ لأن اختيار واحد من تلك الأحرف التي لها معان معينة خاصة يؤدي إلى فساد المعنى العاملي الوجه الذي تقدم في "لام التعليل"، وإلى خلو التركيب من الأثر النحوي الهام على الوجه الذي يقوم به كل حرف منها؛ كالعطف، والجر، و ... و ... ، وليس من الممكن -طبقا للأساليب الصحيحة الواردة أن يقوم بهذا الأثر النحوي وينصب معه المضارع أيضا؛ فليس بين الحروف ما يقوم بأثرين إعرابيين معا في موضع واحد وزمن واحد -كما تقدم- وهذا الأثر ضروري في ربط شطري الكلام "قبل الحرف وبعده" ومنع تفكك أجزائه، وفي الوصول إلى ضبط الأفعال المضارعة ضبطا صحيحا. ولذا تمسك النحاة بأن تعمل هذه الأحرف العطف أو غيره مما يخص كلا منها. ومن أوضح الأمثلة: "فاء السببية" وهي عاطفة لا محالة -في الرأي الأرجح- وللعطف أثر في حالات كثيرة؛ حيث ينصب النفي على ما قبلها وما بعدها معا، أو على ما بعدها وحده. وحيث يختلف ضبط المضارع من رفع واجب في مواضع، إلى نصب واجب في أخرى، وإلى جواز الأمرين أو وجوب الجزم في غيرها.. ويترتب على كل ضبط معنى يخالف الآخر -كما سبق عند الكلام عليها١.

وما يقال في "فاء السببية" يقال في غيرها من باقي الأدوات التي تضمر بعدها "أن" وجوبا.

هذا ملخص ما تحتج به الجمهرة المستمسكة بإضمار "أن" وهو يشهد لها بالحذق، والبراعة، وسداد الرأي. فمن التسرع أو جنف الهوى اتهامها -في هذا الحكم- بالتشدد، أو الجمود، أو الاستمساك بما لا داعي له، أوما لا خير فيه.


١ في ص٣٥٩ والبيان هناك جليل الشأن.

<<  <  ج: ص:  >  >>