للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضا١، على خلاف المعهود في التعليق بالأدوات الشرطية الجازمة، حيث يتعين الاستقبال في شروطها وجوابها معا -على الأغلب٢.

ويترتب على امتناع الشرط هنا وعدم وقوعه امتناع جوابه تبعا له، إذا كان فعل الشرط هو السبب الوحيد في إيجاد جوابه وتحقيقه، وليس هناك سبب آخر للإيجاد والتحقيق؛ لأن امتناع السبب الوحيد الموجد للشيء يؤدي حتما إلى امتناع المسبب الوحيد؛ فامتنع له الجواب -وهو المسبب عنه- إذ ظهور النار متوقف على طلوع الشمس دون شيء آخر؛ فلا يمكن أن يظهر إلا بطلوعها ما دام طلوعها هو السبب الفرد في إيجاده.

فإن كان للجواب سبب آخر فلا يتحتم الامتناع بامتناع هذا الشرط، لجواز أن يؤدي السبب الآخر إلى إيجاد الجواب، وتحقيق معناه٣؛ نحو: لو طلعت


١ هناك أداتان أخريان للربط الامتناعي هما: "لولا" و"لو ما" وحكمهما يخالف حكم "لو". وسيجيء تفصيل الكلام عليهما في ص٥١٢ و٥١٥.
٢ هناك ضابط يميز "لو الامتناعية" من غيرها؛ هو -كما جاء في المغني في هذا الباب: أن يصح في كل موضع استعملت فيه أن تعقبه بحرف الاستدراك داخلا على فعل الشرط، منفيا لفظا أو معنى تقول: لو جاءني لأكرمته، لكنه لم يجئ، ومنه قوله:
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني، -ولم أطلب- قليل من المال
أي: لكن لم يثبت أن ما أسعى لأدنى معيشة ... إذ الأصل: "لو ثبت أن ما أسعى" ... ؛ لأن "لو" الشرطية لا تدخل إلا على فعل؛ إما ملفوظ، وإما ملحوظ تقديره: "ثبت" -مثلا- ... وقوله:
ولو كان حمد يخلد الناس لم تمت ... ولكن حمد الناس ليس بمخلد
ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} أي: ولكن لم يكن حمد ... ولكن لم أشأ ذلك فحق القول مني ... ، وقول الحماسي:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذهب بن شيبانا
ثم قال:
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
إذ المعنى: لكنني لست من مازن، بل من قوم ليسوا في شيء من الشر وإن هان، وإن كانوا ذوي عدد.
٣ وبمراعاة هذا الأساس تدخل صور كثيرة بغير حاجة إلى تأويل أو تقدير اضطر إليه النحاة في مثل: فلان لو لم يخف ربه لم يعصه.

<<  <  ج: ص:  >  >>