للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكثير، فتدل معهما على التفصيل١؛ نحو: الناس طبقات ... فأما الشريف فمن شرفت أعماله، وكملت خصاله، وإن كان فقيرا. وأما الدنيء فمن قبح صنعه، وساء طبعه، وإن كان غنيا. وأما العزيز فمن ترفع عن الدنايا، وأبي المهانة، وإن كان قليل الأهل والأتباع. وأما الذليل فمن رضي الهوان، وإن كان كثير الأهل والأعوان". فكلمة "أما" في هذا الكلام وأشباهه دالة على الشرطية؛ لقيامها مقام اسم الشرط: "مهما" وجملته الشرطية؛ -كما يأتي- "إذا المراد: مهما يكن من٢ شيء فالشريف من شرفت أفعاله ... وهكذا". وهي دالة على التفصيل فيه أيضا؛ بذكر الأقسام، والأفراد المتعددة المختلفة لشيء مجمل٣. وهي دالة فيه على التوكيد أيضا.

ولإيضاح التوكيد نذكر أن من يقول: "محمد عالم" يقصد إثبات العلم لمحمد، ونسبته إليه، بغير تأكيد ولا تقوية. فإذا أراد أن يمنح المعنى فضل تأكيد، ومزيدا من التقوية أني بكلمة: "أما قائلا: "أما محمد فعالم". وسبب التأكيد والتقوية في هذا أنه يريد: "مهما يكن من شيء فمحمد عالم" فقد علق وجود علمه على وجود شيء، أي شيء آخر، بمعنى أن وجود العلم مترتب ومتوقف على وجود شيء يقع في الكون. ولما كان من المحقق المؤكد وقوع شيء في الكون حتما، كان من المحقق المؤكد -ادعاء- كذلك وقوع ما يترتب عليه؛ وهو: "العلم"؛ لأن تحقق السبب وحصوله لا بد أن يتبعه تحقق المسبب عنه، وحصوله على سبيل التحتيم٤ ...

وقد تدل على التفصيل تقديرا: أي: بغير ذكرها وذكر شيء معها، وإنما يدل عليهما السياق والقرائن؛ نحو: "الناس معادن؛ فأما أنفسها وأغلاها فالأخيار". التقدير: وأما أخسها وأرخصها فالأشرار. ونحو:


١ تبيين الأمور والأفراد المجتمعة تحت لفظ واحد يتضمنها إجمالا. وقد سبق الكلام عليه "في ج٣ ص٣٣٧ م١١٨" وعن الصلة بينه وبين التقسيم والتفريق..
٢ ويصح حذف "من" في هذه الأساليب، ونظائرها.
٣ هو: الناس.
٤ إذ المعلول "المسبب" لا بد أن يوجد بوجود علته "سببه".

<<  <  ج: ص:  >  >>