للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحضر والدي". "يبدأ عملي الساعة"، "البرد شديد الليلة" ... تريد من "اليوم" و"الساعة" و"الليلة"؛ ما يشمل الوقت الحاضر الذي أنت فيه خلال الكلام. ومثل ذلك: أن ترى الصائد يحمل بندقيته فتقول له: الطائر. أي: أصبْ الطائر الحاضر وقت الكلام. وأن ترى كاتبًا يحمل بين أصابعه قلمًا فتقول له: الورقة. أي: خذ الورقة الحاضرة الآن. وهذا هو"العهد الحضوري"١.

فأنواع العهد ثلاثة: "ذِكْرِيّ"، و"ذهنيّ أو علميّ"، و"حضوري". وللثلاثة رمز مشترك يدخل على كل نوع منها هو: "أل". وتسمى: "أل" التي للعهد، أو: "أل" العهدية"٢. فإذا دخلت على النكرة جعلتها تدل على فرد معين دلالة تقترب من دلالة العلم الشخصي بذاته لا برمز آخر٣. ولهذا كانت "أل" العهدية تفيد النكرة درجة من التعريف تُقَربها من درجة العلم الشخصي، وإن لم تبلغ مرتبته وقوته؛ وإنما تجعلها في المرتبة التي تليه مباشرة.

وأما: "أل الجنسية" فهي الداخلة على نكرة تفيد معنى الجنس المحض من غير أن تفيد العهد٤. ومثالها؛ النجم مضيء بذاته، والكوكب يستمد الضوء من غيره ... فالنجم، والكوكب، والضوء، معارف بسبب دخول "أل" على كل منها، وكانت قبل دخولها نكرات "وشأن النكرات كشأن اسم الجنس٥،


١ وأكثر ما تقع "أل" التي للعهد الحضوري في صدر الكلمات التي بعد أسماء الإشارة نحو: جاءني هذا الرجل أو بعد "أي" في النداء، نحو: يأيها الرجل. وقد تقع في غيرهما كالأمثلة التي عرضناها من قبل.
٢ أي: التي لتعريف صاحب العهد، وهو: الشيء المعهود، سواء أكان واحدًا أم أكثر، ففي التركيب كلمتان محذوفتان. بقي شيء يتعلق بإفادتها التعريف وهو في رقم٣ من هامش ص٤٣٣.
٣ لأن علم الشخص معرفة بصيغته، لا برمز آخر، ولا بشيء آخر عن مادته. بخلاف النكرة التي جاءها التعريف من "أل" فإن "أل" أجنبية منها، وخارجة عن صيغتها.
٤ يقول النحاة: إذا دخلت "أل" على اسم مفرد أو غير مفرد، وكان هناك معهود مما شرحناه فهي العهد. وإن لم يكن هناك معهود فهي للجنس. "انظر رقم٣ من هامش ص٤٢٨".
٥ إيضاح ذلك أن كلمة: "نجم"، مثلًا تدل على معنى شائع مبهم، يصدق وينطبق على كل جرم سماوي مضيء، من غير حصر النجم في واحد معين، فهو يصدق على هذا، وذاك، وعلى آلاف غيرهما وهذا معنى النكرة واسم الجنس "كما سبق إيضاحه بإسهاب في ص٢٣ وهامش ص٢٠٦، ٢٨٨"، فهي تدل على واحد غير معين ولا محدد؛ لأنه واحد شائع بين أمثاله، لا يمكن تخصيصه بالتعيين، من بين أفراد جنسه. "أي: أفرد صنفه ونظائره" فإذا أدخلنا "أل" على كلمة: "نجم" وهو فرد من أفراد جنسه كانت لتعريف الجنس كله، لا لتعريف ذلك الفرد الواحد؛ لأن تعريف الفرد الواحد يقتضي أن ترى النجوم كلها واحدًا واحدًا، وترى إضاءة كل واحد بذاته، ثم تقول بعدها: النجم مضيء بذاته، ولما كانت تلك الرؤية الشاملة المحيطة بكل النجوم أمرًا مستحيلًا لا يقدر عليه مخلوق -كان دخول "أل" على كلمة: "نجم" وقولنا: "النجم" معناه أن كل واحد من هذا الجنس الذي عرفناه بعقولنا دون أن تحيط بكل أفراده الحواس- مضيئًا بذاته، فكأنها تعرف الجنس ممثلًا في فرد واحد من أفراده، يغني تعريفه عن تعريفها، وينوب عنها في ذلك. أو كأنما تعرف فردًا يدل على الجنس كله ويرمز إليه. وهكذا يقال في باقي الأمثلة- راجع رقم ٣ من هامش ص ٤٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>