للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أمثلة ذلك: المصحف، الرسول، السنة، ابن عباس١، ابن عمر، ابن مسعود؛ فالمراد اليوم من المصحف: كتاب الله وقرآنه الكريم ... ومن الرسول: النبي محمد عليه السلام، ومن السنة: ما ثبت عنه من قول، أو فعل، أو تقرير٢. كما أن المراد من: ابن عباس هو: عبد الله، بن عباس، بن عبد المطلب٣ ... دون باقي أبناء العباس. وكذلك المراد من: ابن عمر، هو: عبد الله من عمر بن الخطاب، دون إخوته من أولاد عمر. وكذلك المراد من: ابن مسعود، هو: عبد الله بن مسعود أيضًا دون إخوته. وكانت تلك الكلمات في الأصل قبل اشتهارها، معرفة؛ لاشتمالها على نوع من التعريف، ولكنها لا تبلغ فيه درجة العَلَم الشخصيّ؛ إذ ليست أعلامًا شخصية. فلا تدل على واحد بعينه؛ إذ الأصل في كلمة: "المصحف" أن تنطبق على كل غلاف يحوي صحفًا. وفي كلمة: "الرسول" أن تنطبق على كل٤ إنسان أرسِل من جهة إلى جهة معينة. وفي كلمة: "السنة" أن تنطبق على كل طريقة مرسومة، وفى كلمة: "ابن فلان" أن تنطبق على كل ابن من أبناء ذلك الرجل. لكن اشتهرت كل كلمة مما سبق -بعد التعريف- في فرد، واقتصرت عليه؛ بحيث إذا أُطْلقت لا تنصرف لغيره؛ فقوَى التعريف فيها، وارتفع إلى درجة أرقى من الأولى؛ تسمى: درجة العَلَم بالغلبة "أي: التغلب بالشهرة" وهي درجة تلحقه بالعلم الشخصي٥ في كل أحكامه. فمظهر الكلمة أنها معرفة "بأل"،


١ كانت كلمة: "ابن" في هذه الأمثلة وأشباهها، معرفة، لأنها مضافة إلى معرفة، ولكن العلم بالغلبة "الشهرة" هو مجموع الكلمتين المضاف والمضاف إليه معًا، وصار تعريفه بالعلمية الغالبة، -كما سيجيء في رقم٥ من هذا الهامش- وزال التعريف السابق.
٢ ما يقره "أي: يوافق عليه" بالسكوت، كأن يرى شخصًا يقول قولًا، أو يعمل عملًا بشرط أن تكون الأقوال أو الأعمال من الشئون المتصلة بالدين، فيسكت، ولا يظهر ما يدل على المعارضة فيكون سكوته موافقة ضمنية: تسمى: "تقريرًا".
٣ جد الرسول عليه السلام.
٤ انظر الإيضاح الذي في رقم٣ من هامش الصفحة السابقة، ورقم٥ و ٦ من هامش ص ٤٢٣.
٥ قال النحاة، إن العلم قسمان: علم بالوضع، فيشمل علم الشخص وعلم الجنس، وعلم بالغلبة، وهو ما شرحناه، وأهم فارق بينهما: أن العلم الوضعي بعين مسماه تعيينا مطلقا من أول لحظة وضع فيها على مسماه. ووقع فيها الاختيار على لفظه ليكون رمزًا على ذلك المسمى، مثل إبراهيم، فإنه يدل على صاحب ذلك الاسم، ابتداء من تلك اللحظة التي وقع عليه الاختيار فيها ليدل على إبراهيم.
أما العلم بالغلبة فقد كان أول أمره معرفة "بأل العهدية" أو: بالإضافة، ولم يكن علمًا في ابتداء أمره، فنزلت غلبته "أي: شهرته" منزلة الوضع فصار بها في درجة "العلم الشخصي". وحين تصل الكلمة إلى درجة العلم بالغلبة تلغي درجة التعريف السابقة وتحل محلها الدرجة الجديدة، وتصير "أل" زائدة، لازمة بعد أن كانت للعهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>