للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يُذَكَّر المبتدأ لمرادعاة الخبر؛ كقوله تعالى: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ} والإشارة المثناة راجعة إلى اليد والعصا قبل هذه الآية١، وهما مؤنثتان، ولكن المبتدأ هنا مذكر لتذكير الخبر، ومثله قوله تعالى: {فَلَماَّ رَأَى لشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ} ٢ ... فاسم الإشارة: "هذا" مذكر، مع أن المشار إليه - وهو: الشمس - مؤنث، فحق الإشارة إليها أن تكون باسم إشارة للمؤنث مثل: "هذه". قال الزمخشرى: "فإن قلت: ما وجه التذكير؟ قلت: جعل المبتدأ مثل الخبر، لكونهما عبارة عن شىء واحد؛ كقولهم: "ما جاءت حاجتَك"٣؟ أى: ما صارت حاجتَك؟ - ومن كانت أمَّك؟ ... - ومثل هذا ينطبق على الآية السابقة وهى: "هذا ربى". على أن التذكير فى هذه الآية واجب لصيانة "الرب" عن شبهة التأنيث لوقيل: "هذه ربى". ألا تراهم قالوا فى صفة "الله": "علاّم ولم يقولوا: "علاّمة" - وإن كان "العلاّمة" أبلغ -؛ احترازًا من علامة التأنيث. اهـ ببعض اختصار.

ومن تأنيث المبتدأ المذكر مراعاةً لتأنيث الخبر قراءة من قرأ قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} بالتاء فى أول المضارع: "تكنْ" لتأنيث اسم الناسخ؛ وهذا الاسم هوالمصدر المنسك المتأخر، وهوفى أصله مذكر، ولكنه أنَّث موافقة للخبر المتقدم، وبسبب تأنيث هذا الخبر أنَّث الفعل "تكن".

وإذا كان الخبر دالاً على تقسيم أوتنويع جاز عدم مطابقته للمبتدأ فى الإفراد وفروعه؛ نحو: الصديق صديقان، مقيم على الود والولاء، وتارك لهما، والإخاء إخاءان، خالص لله، أولمغنم عاجل. وكقولهم: المال أنواع؛ محمود الكسب، محمود الإنفاق؛ وهذا خيرها. وخبيث الثمرة خبيث المَصْرِف؛ وهذا شرّها، وما اجتمع له أحد العيبين وإحدى المزيتين؛ وهوبمنزلة بين المنزلتين السالفتين.


١ في قوله تعالى في سورة "القصص": {وأن ألق عصاك ... } - راجع ما قاله أبو حيان في البحر عند تفسيره الآية، جـ ٧ ص ١١٧.
٢ سبقت الإشارة لهذا في رقم ٧ من ص ٢٦٥ ورقم ٦ من هامش ص ٣٢١.
٣ بيان هذا الأسلوب وإعرابه في هامش رقم ١ من ص ٥٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>