للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستدراك١ ولا بد أن يسبقها كلام له صلة معنوية بمعموليها٢. وفى: "كأن": التشبيه٣؛


١ هو إبعاد معنى فرعي يخطر على البال عند فهم المعنى الأصلي لكلام مسموع أو مكتوب، ومثال ذلك قولنا: "هذا غني" فيخطر بالبال أنه محسن بسبب غناء. فإن كان غير محسن أسرعنا إلى إزالة الخاطر بمجيء ما يدل على ذلك، مثل كلمة: "لكن" وبعدها المعمولان، فنقول: هذا غني لكنه غير محسن" ومثل: "الكتاب رخيص" فيقع في الخاطر أنه لا نفع فيه. فإن كان غير ذلك بادرنا بمجيء كلمة: "لكن" مع معموليها لإزالة هذا الوهم، فنقول: "الكتاب رخيص، لكنه كبير النفع ... "وهكذا ... فلا بد أن يكون قبلها كلام يتضمن معنى أصليا يوحي بمعنى فرعي ناشيء منه وهذا المعنى الفرعي هو الذي يراد إبعاده بكلمة: "لكن"، ويعبر النحاة عن هذا بقولهم في "الاستدراك" إنه: "تعقيب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته، أو إثبات ما يتوهم نفيه". وهذا يقتضي أن يكون المعنى بعدها مخالفا للمعنى الفرعي الذي يفهم مما قبلها، ومغايرا له. وتقع بعد النفي والإثبات. فإن كان المعنى الفرعي الناشئ مما قبلها موجبا كان ما بعدها منفيا في معناه، وإن كان المعنى الفرعي قبلها منفيا في مضمونه كان المعنى بعدها موجبا، فوجودها ينبيء عن المغايرة والمخالفة بين معنى ما بعدها والمعنى الفرعي المفهوم مما قبلها. من غير حاجة إلى أداة نافية في أحدهما.
ولا يصح أن تكون الجملة الاسمية بعدها خبرا عن مبتدأ أو عن ناسخ قبلها - ولا غير خبر أيضا - كما سنعرف في رقم ٢ -.
واستعمال "لكن" في "الاستدراك" هو الأعم الأغلب. ومن الجائز استعمالها في بعض الأحيان لمجرد تأكيد المعنى، كما كان يستعملها الفصحاء، مثل: "لو اعتذر المسيء لتناسيت إساءته، لكنه لم يعتذر" فهي هنا لتأكيد عدم الاعتذار، وهو مفهوم بدونها من كلمة: "لو" التي تفيد في هذا المثال نفي معنى الكلام المثبت بعدها.
ومن الآيات المشتملة على "لكن" قوله تعالى: "لكنا هو الله ربي، وأوضح الآراء فيها أن تقدير الكلام: لكن "بسكون النون" أنا هو الله ربي. فحذفت الهمزة تخفيفا، وأدغمت النون في النون، فصارت: لكنا "بنون مشددة بعدها ألف".
و"لكن" مشددة النون - هي التي تعد من أخوات "إن" في العمل. أما: "لكن" مخففة النون "أي: الساكنة النون" فليست من أخوات "إن" ولا من النواسخ. بالرغم من أن معناها:
"الاستدراك" أيضا.
- كما سيجيء في جـ ٣ باب العطف.
٢ أي: لا بد أن تتوسط بين جملتين كاملتين، بينها نوع اتصال معنوي، لا إعرابي - بحيث تكون في صدر الثانية منهما، ولا يصح في الجملة الثانية المصدرة بها أن تقع خبرا - أو غيره - عن شيء سابق على "لكن". كما أشرنا - في رقم ١ - أماما ورد في كلام السابقين المولدين من نحو: فلان وإن كثر ماله. لكنه بخيل، أو: إلا أنه بخيل: فقد سبق بيان الرأي فيه "في ص ٤٥١".
٣ المراد: تشبيه اسمها بخبرها فيما يشتهر به هذا الخبر. والتشبيه بها أقوى من التشبيه بالكاف، فمثل: كأن الجمل فيل في الضخامة، أقوى في التشبيه من: "الجمل كالفيل في الضخامة"، ولا يليها - في الغالب - إلا المشبه. أما "الكاف" و "مثل" ... و.... وأضرابهما فيليها المشبه به في الأكثر، على الصورة التي فصلها البيانيون في كل ذلك.
واستعمالها في التشبيه مطرد في سائر أحوالها عند جمهرة النحاة. ولكن فريقا يقول: إنها لا تكون للتشبيه =

<<  <  ج: ص:  >  >>