وما يقال في الفعل مع فاعله ومفعوله يقال في غيره من العوامل الأخرى مع معمولاتها، سواء أكانت عوامل لفظية، كالفعل وكحرف الجر، والجوازم ... ، أم معنوية، كالابتداء، وكالتجرد من الناصب والجازم، وهو سبب رفع المضارع، وسواء أكانت أصلية أم زائدة "وستجيء أنواع العوامل في م ٣٣ أول باب المبتدأ والخبر- وانظر ص ٧٣. ومما تقدم نعلم أن تلك العوامل بنوعيها ليست مخلوقات حية، تجري فيها الروح فتعمل ما تزيد، وتحس ما يقع عليها، وتؤثر بنفسها، وتتأثر حقا مما يصيبها، وتحدث حركات الإعراب المختلفة، فليس لها شيء من ذلك. إنما الذي يؤثر. ويحدث حركات الإعراب- هو المتكلم، وليست هي. ولكن النحاة نسبوا إليها العمل. لأنها المرشد إلى المعاني والرموز. وهي نسبة جاية على أصح الاستعمالات العربية وأبلغها. إذ هي السبب في الاهتداء إلى كشف المعنى المراد من الكلمة- كما أسلفنا- وإذا ثبت لها هذا فليس في اللغة مانع من نسبة العمل إليها، وتسميتها: "عاملا"، ولا عيب في أن نقول مثلا: "كان" ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، و "إن" تنصب المبتدأ وترفع الخبر، ولا و "ظن" تنصبهما مفعولين لها ... و.... و ... إلى غير ذلك مما يجري هذا المجرى الذي يتفق بغير شك مع أصول الاستعمال العربي الفصيح، بل مع الأسلوب البلاغي الأعلى، ولا داعي للاعتراض عليه كما يتردد على ألسنة بعض، المتسرعين. نعم لها بعض عيوب "كالتي نراها في باب التنازع، م ٧٣ جـ٢" ولكنها يسيرة يمكن تداركها، وسنشير إليها تباعا، حين نصادفها. ومما تقدم يتبين أيضا النفع الأكبر، والأثر الباهر الذي للعلامات الإعرابية، فلولاها لاختلطت المعاني، بل فسدت، وحسبك أن ترى جملة خالية من العلامات الإعرابية مثل قولنا: "ما أحسن القادم" فإنها بغير ضبط كلماتها تصلح للاستفهام، وللتعجب، وللنفي، ... وكل معنى من هذه يخالف الآخر مخالفة واضحة واسعة. لهذا كان من الخطل وفساد الرأي أن ترتفع بعض الأصوات والحمقاء بإلغاء علامات الإعراب - لصعوبة تعلمها- والاقتصار على تسكين آخر الكلمات. وقد أطلنا الكلام في إظهار هذا الخطأ، وفداحة ضرره في الموضوع الخاص به من كتابنا المسمى: "اللغة والنحو بين القديم والحديث" ص ٢٦٠. ١ وللإعراب معنى آخر مشهور بين المشتغلين بالعلوم العربية، هو: التطبيق العام على القواعد النحوية المختلفة، ببيان ما في الكلام من فعل، أو فاعل، أو: مبتدأ، أو: خبر، أو: مفعول به، أو حال ... أو غير ذلك من أنواع الأسماء، والأفعال، والحروف، وموقع كل منهما في جملته، وبنائه أو إعرابه.... أو غير ذلك.