للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أدق: لا بد من اقتران كل حادث بزمان، ويستحيل أن يوجد حادث في غير زمان، ولهذا سمي الزمان ظرفًا؛ تشبيهًا بالظرف الحسي كالأواني والأوعية التي توضع في داخلها الأشياء، وإذا كان الأمر هكذا فكل زمان مقرون حتمًا بالحادث المتصل به الواقع فيه، وكثير من هذه الحوادث أمر عام يدل على مجرد "الوجود المطلق" من غير زيادة معنوية عليه، فهو معروف، فلا داعي لذكره؛ إذ لا فرق في المعنى بين: قولنا: "السفر حاصل غدًا"، وقولنا: "السفر غدًا"؛ لأنه هو والزمان متلازمان كما سلف؛ فذكر الثاني كاف في الدلالة على وجود المحذوف؛ فهو مع حذفه ملاحظ وكأنه موجود، هذا من الناحية العقلية المحضة١.

وهناك شيء آخر يقولونه في شبه الجمة الواقع خبرًا أو غير خبر من الأشياء التي سلفت؛ هو: أن اللفظ الدال على الزمان لا يكمل وحده بغير متعلقه المعنى الأساسي للجملة، ولا يستقل بنفسه في تحقيق فائدة تامة، وإنما يجيء لتكملة معنى آخر فيما يسمى: "العامل"؛ فليس من شأن اللفظ الزماني أن يتمم المعنى الأساسي المراد بغير ملاحظة العامل المحذوف؛ فلولا ملاحظته في مثل: "السفر يوم الخيمس" لكان المعنى: السفر زمان، وهذا الزمان يوم الخميس، وبعبارة أخرى: السفر هو يوم الخميس نفسه، ويوم الخميس هو السفر، والمعنى لا شك فاسد، مع أن الثابت المقرر من استقراء كلام العرب يوجب أن يكون الخبر هو المبتدأ في المعنى، والمبتدأ هو الخبر في المعنى كذلك، ولا فساد في ذلك مطلقًا.

ومثل هذا يقولون في ظرف المكان؛ فالمكان المجرد لا وجود له؛ فمن المستحيل أن يوجد مكان لا تقع فيه أحداث جديدة، أو تستمر يه أحداث قديمة؛ فالحوادث والأماكن مقترنان متلازمان على الدوام، فذكر الثاني في الكلام كاف في الدلالة على وجود المحذوف الملاحظ حتمًا، فيتساوى المعنى بين: "علي موجود في البيت" و"علي في البيت، وكذلك بين" "علي موجود أمامك"، و"علي


١ بل إن الظرف بنوعيه لا بد أن يدل في أصله على: "الوجود المطلق"، ثم يمتاز "اللغو" بدلالته فوق هذا على معنى خاص آخر، كالأكل، أو الشرب، أو غيرهما مما يزاد عليه فيجعله خاصًا مقيدًا بعد أن كان عامًا مطلقًا، وسيجيء الموضوع بيان في باب: "حروف الجر"، عند الكلام على شبه الجملة رقم ٣ من هامش ص ٤٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>