أجاب المخالفون بأن رذيلة الكفر لم تمنع قبول قولهم على المسلمين للحاجة، بنص القرآن الكريم، قال الله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} وكذلك لم تمنع رذيلة للكفر ولاية بعضهم على بعض، وعرافة بعضهم على بعض، وكون بعضهم حاكما وقاضيا عليهم، فلا تمنع رذيلة الكفر أن يكون بعضهم شاهدا على بعض.
وليس في هذا تكريم لهم، ولا رفع لأقدارهم، وإنما هو دفع لشرهم بعضهم عن بعض، وإيصال أهل الحقوق منهم إلى حقوقهم بقول من يرتضونه، وهذا من تمام مصالحهم التي لا غنى لهم عنها.
ومما يوضح ذلك، أنهم إذا رضوا بأن نحكم بينهم، ورضوا بقبول قول بعضهم على بعض، فألزمناهم بما رضوا به، لم يكن ذلك مخالفا لحكم الله ورسوله، فإنه لا بد أن يكون الشاهد بينهم ممن يثقون به، فلو كان معروفا بالكذب وشهادة الزور لم نقبله ولم نلزمهم بشهادته١.
أدلة القائلين بشهادتهم إذا اتحدت الملة:
أولا: ما رواه الدارقطني، وابن عدي من حديث أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تجوز شهادة ملة على ملة إلا ملة محمد، فإنها
١ الطرق الحكمية لابن القيم، ص٢٠٦ وما بعدها، وفتح القدير لابن الهمام، ج٧، ص٤١٦، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج٤، ص١٦٥، شرح جلال الدين المحلي على المنهاج، وحاشيتا قليوبي وعميرة عليه، ج٤، ص٢٩٩، والمغني لابن قدامة، ج١٢، ص٥٤، ٥٥.