بالاستقرار، ولم يفتأ الشعب يطالب بحقه في الحرية والاستقلال الى بداية الثورة الكبرى سنة ١٩٥٤ م.
وبعد ما انتهت المقاومة المنظمة، وتمكن الاستعمار من احتلال الوطن، أخذ يثبت دعائمه، ويفرض حكمه الاستبدادي على المسلمين، وكان يحارب في عوائدهم وتقاليدهم، وأول شيء بدأ به هو الاطاحة بنظام الاسلام فأسقط حكمه الذي كان قائما في هذه البلاد ومنع علومه من التدريس، وأغلق المدارس والمعاهد، وحطم الجامعات، وجعل المساجد تحت اشرافه مباشرة بعد ما خرب أكثرها، ورجع بعضها كنائس وثكنات للجند، وضم اليه الدور وجميع الأشياء المحبسة على الايتام والفقراء والمساكين، وأصبح هو المالك الشرعي لها والمتصرف فيها، وقضى على كل ما كان للمسلمين من نفوذ وسيادة في بلادهم، ومنع اللغة العربية من التدريس وأصبح يعدها لغة أجنبية ويعاقب كل من يعلمها بالسجن والغرامة المالية، وكون من المسلمين جيشا قويا للدفاع عن وطنه، ولفتح المستعمرات له في العالم وفي تموز سنة ١٨٣٤م قرر البرلمان الفرنسي اعتبار الجزائر أرضا فرنسية، وأهلها مواطنون فرنسيون ففتحت فرنسا أبواب الهجرة الى الجزائر من جميع أقطار أوربا وكانت تساعد كل من يأتي إليها من الجاليات الغربية بكل وسيلة ممكنة من المال وغيره. وكان كلما يأتي فوج من المهاجرين الى الجزائر الا وانتزعت الأراضي الصالحة للزراعة من بين أيدى السكان المسلمين ودفعتها الى هؤلاء المهاجرين الوافدين على هذا الوطن من كل حدب وصوب فجمعت على المسلمين بذلك ذل الاستعباد وذل الفقر والجهل حتى ضج الجزائريون من هذه الحالة لأنهم أصبحوا غرباء في بلادهم محرومين من خيراتها.
قال السيد عباس فرحات انتصار الاستعمار الذي تغلب بعدده وعدته هو حكم على الجزائري بأنه أصبح آلة يستخدمها العدو للازدهار ورفاهيته، أوصد في وجهه أبواب العمل وحتى أبواب الأمل، فجرده حتى من شخصيته في نظر القانون الاستعماري، ولم يبق الجزائري جزائريا دون أن يعود من جهة أخرى فرنسيا، فأصبح هو والعدم سيان لا جنسية له ولا وطن،