للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي كانت تطالب بالاستقلال، وكان يوجه الأمة نحو أهدافها الحقيقية، ويؤسس المعاهد العلمية، فانزعجت فرنسا من هذه الأعمال، فألقت عليه القبض، وأبعدته عن بلاده مع عائلته الى جزيرة (مدغشقر) في المحيط الهادي فبقي فيها معتقلا الى أن تم استقلال المغرب العربي على يد شعبه الباسل.

كان الشعب الجزائري في هذه الفترة - هاديا الهدوء الذى يسبق العاصفة، وكان متدمرا من هذا الهدوء الذى لا مبرر له في الوقت الذى ثار فيه شقيقاته، وأحزاب هذه الأقطار كانت متضامنة فيما بينها بحيث اذا ثار قطر من الأقطار الثلاثة فبقيت الأقطار الأخرى تثور لأن الوطن واحد والمحتل واحد ... لكن قادة الشعب الجزائري كانوا يعرفون عقلية الاستعمار المتحجرة وتعلقه الشديد بالوطن الجزائري، ومواقفه الصلبة تجاه المواطنين لأنهم اصطلوا بناره منذ فتحوا أعينهم، واختبروا سياسته في حرب الهند الصينية رغم بعدها الشاسع، واصل الحرب فيها بضع سنوات فكيف بالجزائر التي لا تبعد عن فرنسا الا بمقدار ساعتين فقط عن طريق الجو؟ وكانوا على يقين من أنه لا يريد أن يسمع باستقلال الجزائر لأنه يعتبرها أرضا فرنسية والجزائر مصدر القوة والثراء له، وما دام يملكها يستطيع أن يسيطر على البحر الأبيض المتوسط وعلى قارة افريقيا. كان قادة الثورة متيقنين من هذا كله، وزيادة على ذلك من أنه إذا ثار الشعب فإن الاستعمار سيبطش به بطشا كبيرا.

ولذا يجب عليه أن يستعد استعدادا كاملا بخلاف القطرين الشقيقين، فإن لهما معه معاهدة حماية وكيانهما باق على كل حال، أما الجزائر فهي مستعمرة هذا هو سبب التريث.

والحكومة الفرنسية من جهتها كانت تعرف مسبقا أن الجزائر لن تبقى مكتوفة الأيدي أبدا أمام هذه الثورة التي تجتاح المغرب العربي الكبير، وتعلم أيضا شدة مقاومة الجزائريين وصلابة مواقفهم، ولهذا لما ثارت الجزائر سنة ١٩٥٤م تساهلت فرنسا مع الشعبين الشقيقين في الاستقلال، وجمعت قوتها ورمت بها الثورة الجزائر العارمة الكبرى.

<<  <   >  >>