للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اتصل الثوار الذين ذهبوا الى الخارج بالحكومات العربية وبرؤسائها وبأجهزة الاعلام، وعقدوا صفقات تجارية مع المنظمات الغربية لشراء السلاح والمعدات الحربية.

وما كادت الثورة تتغلغل وتعمق في الوطن حتى كانت إذاعات الدول العربية تشيد بأعمال المناضلين ليطلع العالم أجمع على ما يقع في هذه البلاد، وفي مقدمة هذه الاذاعات إذاعة صوت العرب من القاهرة التي لها الفضل الأكبر في إثارة الجماهير الجزائرية وتحمسها للثورة، والمذيع المشهور السيد: أحمد سعيد رمضان لم يدخر وسعا، ولم يألو جهدا في التعريف بالقضية الجزائرية والتنديد بالاستعمار، فإنه رافق كفاح الجزائريين من أوله إلى آخره، كان يذيع باللغتين العربية والفرنسية، هذه الاذاعات لها فضل كبير في توحيد الصفوف وإيقاظ الرأي العام ولفت أنظاره الى القضية.

وكان القادة يعقدون ندوات صحفية في عواصم العالم الكبرى، فتنقلها هذه الاذاعات في حينها، وسفراء الدول الاسلامية كانت ألسنة حدادا في الدفاع عن الجزائر في جميع المحافل الدولية، وشعوب الشرق العربي كانت تنظم أسبوعا كاملا في كل سنة لجمع التبرعات الشعبية، بل خصصت مقدارا كبيرا من ميزانيتها العامة تدفعها للجزائريين في كل سنة، وكانت هذه الحكومات تأوي اللاجئين وتمد الثورة بالعتاد والذخيرة الحربية، في كل وقت وتداوي الجرحى في مستشفياتها وتمنح الرخص لمسيري الثورة ليتجولوا في البلاد لبث الدعاية في أقطار العالم، وتبنت شعوب آسيا وافريقيا قضية الجزائر في جميع مراحلها وأطوارها، وتولت الدفاع عنها لدى جمعية الأمم فكانت تشرحها للوفود شرحا مفصلا، وترد على أقوال العدو، وتفند آراءه وحججه وتسعى في جلب أصوات الوفود الأخرى للقضية عند الاقتراع.

انقسمت الهيئة الأممية في قضية الجزائر على قسمين فالدول الشرقية والاشتراكية كانت تؤيد القضية الجزائرية وتناصرها، أما الدول الغربية فإنها وقفت بجانب الاستعمار الفرنسي تشد أزره وتؤيده في عدوانه وظلمه، وكانت تعارض بشدة عرض القضية الجزائرية على جمعية الأمم، ولكن رغم هذه المعارضة عرضت أكثر من خمس مرات على هذه الهيئة ...

ولما اقتنعت الهيئة الأممية بعدالة هذه القضية وتحققت من أن فرنسا لم تكن جادة في حلها بدأت تتذمر منها وكانت توصي في كل مرة تتقدم فيها القضية بأن تحل حلا سلميا على مقتضى قرار هيئة الأمم.

وكانت وفود آسيا وافريقيا في هذه الجمعية لا تريد مناقشة القضية الجزائرية على هذا المنبر العالمي الا تفهيم الرأي العام في هذه القضية العادلة. وأما انها متيقنة بأن الصلح لا يكون الا مع فرنسا وحدها.

وبمجرد الاعلان عن الثورة في الجزائر كان لها صدى كبير، وإعانة فعالة من طرف العالم الإسلامي، بل اعتبرها ثورته.

وبفضل هذه الدعاية الحكيمة والخطة الرشيدة توصل قادة الثورة الى أهدافهم التي رسموها من أول مرة، فأصبحت ثورة الجزائر حديث المجالس العالمية سواء منها الخاصة أو العامة وبفضل الدعاية المحكمة جلبت عطف الشعوب، وأصبحت تنظر الى الجزائريين بعين الاكبار والاعجاب، وكسبت أصدقاء في الخارج، فكانوا يمدونها بما تحتاج إليه من إعانة أدبية ومادية، واحتلت الصدارة في صحف العالم، وألفت فيها عدة أسفار تنويها ببطولة الشعب وإعجابا بعبقريته الفذة، قام القادة بهذه الاعمال كلها، وبالفعل جعلوا قضية الجزائر قضية عالمية لا محلية كما تدعي فرنسا.

أما الطائفة الثانية فإنها توزعت على القطر الجزائري لتقود المنظمات السرية التي كانت تحت اشرافها، والاتصال بالشخصيات البارزة من الشعب لتلقين النظام الذى تسير عليها الثورة ...

سار هذا النظام منذ بدء الثورة على عاملين أساسيين: العامل الأول هو إيجاد القوى التي بها تستطيع الثورة أن تقف في وجه العدو، بحيث تحمي نفسها منه وتدافع عن وجودها، ولهذا ما كاد الشباب يسمع بإعلانها حتى نفر الى مراكز التجنيد الموجودة

<<  <   >  >>