أن يطهروا العواصم من حوادث الفداء الدامية التي خيم الرعب على سكانها منذ نشوب الثورة.
وكان بطل هذه العملية هو قائد جنود المظلات الجنرال (ماسو) فبدأ هذا الطاغية يهيئ في المعتقلات، ويفتح سجونا أخرى، ويعد أنواعا من أساليب العذاب والإبادة للمواطنين، وحشد قوة هائلة من الجند في كل ناحية من نواحي الوطن، وحاصر جميع المدن والقرى، وأخد ينذر السكان المسلمين ويهددهم عن طريق الاذاعة ومنشورات كتبت خصيصا تحذر السكان من مغبة هذا الإضراب الذي أمرت به الجبهة، وقال (كل من يمتثل لهذا النداء سواء كان من التجار أو العمال أو غيرهم يعتبر ثائرا، فتحل عليه العقوبة، فالتجار تصادر أموالهم، وتغلق محلاتهم الى أجل غير مسمى والعمال يطردون من وظائفهم ويعاقبون، فوزع هذا التهديد على السكان المسلمين) ...
ولما وصل اليوم المعين للإضراب أصبح الشعب كله مضربا عن العمل حتى الشعوب العربية شاركت في هذا الإضراب تضامنا مع الجزائريين وفي صبيحة هذا اليوم هجمت الجنود الفرنسية في كل ناحية من نواحي القطر على المحلات التجارية في المدن.
والقرى، فكسرت أبواب الدكاكين وأتلفت ما فيها من البضائع والمواد، وأشحنت النفيس منها في شاحنات الجند، والباقي أباحته الى الجالية الأوربية، ومن بعد ذلك يغلق المحل وتعلق عليه لافتة مختومة بطابعها (ممنوع الفتح الا برخصة من طرف الجنود) وكانوا يحملون الناس الى الملاعب العامة للبحث عن أسباب الاضراب، ومن بعد ينقلون الى السجون أو المعتقلات هذه المعتقلات كثيرة جدا، وكل يوم يدخل إليها آلاف من المواطنين على اختلاف طبقاتهم ذكورا وإناثا، وكم من نفوس سيقت الى العذاب ظلما وعدوانا، وكم من أموال أتلفت جمعها أصحابها بعرق الجبين أصبحت الأمة كالأنعام تحمل في شاحنات الجند الى المجازر والمشانق والتعذيب، فأموالها مصادرة، ومساكنها مخربة ومهدومة، وشرفها مداس وكرامتها مهدورة، ولم تجد ملجأ تلجأ إليه إلا الصبر الذى لا شكوى فيه، فمرت كلها - تقريبا - على التعذيب والتنكيل.