للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الحيوانات فكان الجند الفرنسي يجمعها، ويصطفي منها لنفسه المختارة والتي تليق به، والباقي يطلق عليها النار لكي لا يستفيد منها جيش التحرير. الخلاصة أن الجزائريين نكبوا - في هذه العملية - في الرجال والأموال وفي الشرف نكبة لا نظير لها في تاريخ الانسانية، والمحظوظ منهم من كان في الجبل حاملا سلاحه، أو في السجن صابرا محتسبا أو في الخارج بعيدا عن الوطن. نشأ عن هذه الحالة استياء عام وغضب شديدان من جراء هذا التعسف فأصبح الشعب يغلي من هذا الظلم الصارخ، والإهانة التي أصابت كبرياءه فأثر فيه الاحتقار، فأصبح يدافع عن نفسه دفاع المستميت، فالذي كان مترددا ولم يشارك في الثورة انضم اليها في الحال، والجبران صحا من حبرته وتردده، وأصبح لا يشك في مصيره في الفناء، أدرك الشعب كله أنه لا تنجيه من هذه الإبادة المحققة الا الوقوف صفا واحدا في وجه الاستعمار ...

والحقيقة أن هذه المعاملة السيئة من طرف الاستعمار هي التي كانت سببا في اتحاد الشعب، وانخراطه في صفوف المكافحين، فأصبح يتسابق الى مراكز المجاهدين في رؤوس الجبال يقدم اليهم نفسه والمعونة المالية وغيرها عن طيب نفس ليكافح الجند الفرنسي الباغي رجالا ونساء حتى اضطر قادة الثورة أن يردوا الناس الى أماكنهم.

ولا يفهم من هذا ان الشعب كانت صفوفه كلها طاهرة من الخونة بل كان يوجد بعض الخونة من الشعب الذين لا يخلو منهم زمان ولا مكان أغراهم الاستعمار بدعايته وأمواله، فيعدهم وما يعدهم الا غرورا، ويمنيهم بالأماني الكاذبة، فهؤلاء الخونة من ذوي الضمائر الخربة، وبسبب الطمع وعدم الوعى والشرف يجدون في قتل اخوانهم، وتعذيب مواطنيهم، فالاستعمار يريد أن يحارب الشعب بعضه بعضا، ولولا قوة الثورة لوقع الانقسام في صفوفه، ومن موقفها الصارم لهؤلاء الخونة، ومعاقبتهم معاقبة لا هوادة فيها هو الذى حفظها من الانقسام، فكان الثوار يذبحون الخونة كما تذبح الانعام، ويتركونهم على قارعة الطريق ليعتبر بهم أمثالهم، هذا الصنف من الخونة كان أشد على الثورة من الاستعمار.

<<  <   >  >>