للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأصبحت السهول والجبال والأودية والمدن والقرى من أرض الجزائر كلها ميدانا للكفاح، وبطاحا للمعارك الدامية.

والاشتباكات الكثيرة، وكان المجاهدون الأحرار يخرجون من هذه الحروب الطاحنة ظافرين منتصرين في كل معركة لأنهم يباغتون العدو ليلا ونهارا حسب ما تسمح به الفرص فينزلون به ضربات قاسية في لمح البصر، ومن بعد ينسحبون بسرعة من ميدان المعركة، لأنهم لا يستطيعون أن يواجهوه وجها لوجه لأنه متفوق عليهم في العتاد والقوة، ومن بعد يختفون لم يقف لهم على أثر، كأن الأرض ابتلعتهم وهذا هو شأنهم في جميع المعارك قلما كانوا يقابلونه.

فهذه الانتصارات الرائعة هي التي كان سببا في تحمل الشعب من ويلات الحرب وتمرسه بالآفات، فأصبح لا يبالي كالعذاب الذي سلط عليه من بداية الثورة فكان بعضه في أعماق السجون، والبعض على أعواد المشانق، وتحت شفرات المقاصل، وقذائف المدافع، وقنابل الطائرات كانت تدك القرى والمنازل دكا، وتحرق كل شيء فيها، ورصاص الجند كان يحصد النفوس حصدا لم ينج أحد من هذا البركان المتفجر الا من اتخذ الجبل حصنا وملجأ يكافح ليله نهاره بدون انقطاع، أو فر الى الخارج من هذا الأتون الملتهب، والباقي من الشيوخ والعجزة والاطفال والنساء جمعوا بين الأسلاك الشائكة للعري والجوع والمرض ...

والعامل الوحيد لهذا الصبر على هذا الحال، والصمود في وجه العدو، وتحد طغيانه وجبروته، وظلمه بجميع أنواعه هو الإسلام الذي بعث روح القوة والمقاومة التي لا تليق في نفوس المجاهدين، وكان شعارهم (الله أكبر) ... وصلت قوة الجيش الفرنسي في هذه المدة الى خمسمائة ألف جندي مدججين بسلاح الحلف الأطلسي، ويؤيدهم ما يقرب من مليون أوربي جزائري سالت دماء الجزائريين على أرضهم أنهارا، ويا ليت الجيش الفرنسي وقف عند هذا الحد، بل كان يستعمل السلاح الذي حرمه القانون الدولي ضد الجزائريين هذا السلاح الفتاك المبيد لكل شيء (هو النابالم) الذي لم يستعمل في الحرب العالمية الثانية فاستعملته فرنسا ضد الثوار ... كان الجيش الفرنسي يقتل

<<  <   >  >>