معه في الماضي، ولكنها لم تتوقع أن الشعب يتحد ويقف كرجل واحد في وجهها، ويبرز بهذا التكتل والنظام الدقيق الذي أصبح مضرب الأمثال، وإنما كانت تظن أن هذه الثورة كالثورات الماضية، فسرعان ما تفشل بسبب الاختلاف ومحاربة بعضهم بعضا، ونسيت أن الشعب أصبح لا يتحمل حلم الاستعمار، والحرمان الذي فرضه عليه منذ الاحتلال، ولهذا وغيره اندفع في هذه الثورة كالتيار الجارف باسم عقيدته الاسلامية ودينه الحنيف، والشعب إذا حارب باسم الاسلام لا تستطيع أي قوة مهما كانت أن ترغمه على التقهقر وهذا ما وقع ...
كانت فرنسا تظن أن هذه الثورة كالثورات الجهوية التي قامت في عهد الاحتلال كثورة عين التوتة، وثورة مليانة، وثورة أولاد سيدي الشيخ، وثورة بلاد القبائل، هذه الثورات كلها مهما بلغت من العنف لم تكن تكتسي صبغة نظامية ...
أما ثورة أول نوفمبر فقد اكتسبت من أول وهلة صبغة دينية وطنية ولهذا أن هذه الثورة لا تشبه الثورات التي خاضها الجزائريون مع الاستعمار من قبل.
كان المسؤولون من فرنسا يعلمون شدة مواقف الجزائريين الصلبة، ومقاومتهم العنيفة الطويلة النفس لهذا عمدوا الى تسوية مشكل الهند الصينية ومنحوا الاستقلال للمغرب وتونس ليتفرغوا للحرب في الجزائر التي بدأت في الانفجار، فإذا قضوا على الثورة في الجزائر، فإنهم لا يبالون بالاستقلال الذي منحوه الى تونس والمغرب ما داموا يملكون الجزائر، لا يؤثر هذا الاستقلال على مصالح فرنسا، بهذا تفرغت فرنسا من جميع المشاكل الخارجية، وجمعت كلما كانت تملك من قوة ورمت بها الثورة في الجزائر.
خاض الشعب الجزائري حرب التحرير بكل قوة وعنف ضد الغاصبين، فأصهرته هذه الحرب بحوادثها المؤلمة حتى التحم بعضه ببعض، وأبرزه هذا الانصهار الى الوجود على سجيته الأصيلة، وشخصيته الاسلامية الفذة اللامعة ...