الدكتور بوديسون في كتابه خواطر عن الجزائر سنة ١٩٥٤م لا يهم فرنسا أن تخرق في سياستها الاستعمارية المقاييس الأخلاقية وقيمها، ولكن الذي يهمنا قبل كل شيء هو تأسيس مستعمرة نملكها بصفة نهائية، ننشر على الشواطئ البربرية المدنية الأوربية، ومن البديهي أن أقرب الطرق لبلوغ غايتنا هو نشر الرعب، ففي استطاعتنا أن نحارب أعداءنا الافريقيين بالحديد والنار، وأن نضرم نار الفتنة بين قبائل التل والصحراء وأن نبلو السكان باستهلاك الكحول ونشر الفساد وبث عقارب النزاع والفوضى بينهم (.
قال أندري مورو في مكسيكو أمام جماعة من الطلبة عن الاستعمار الفرنسي الإنساني قال: (ان الاستعمار في روحه وصلبه لا يمكن أن يكون إنسانيا ما هو الا قتل واغتيال (.
وكان جنرالات فرنسا يتشوقون دائما الى دماء العزل والضعفاء والأبرياء من الشعب الجزائري شامخين بأنوفهم مزهوين بأنفسهم مغترين بقوتهم حانقين على الثوار غاضبين على الشعب ولقد أسند لهم الحكم في هذا الوطن إبان الثورة، وأطلق لهم العنان في التصرف التام في الشعب بدون مراقبة، وهم في ثورة شديد من الغضب والحقد على الجزائريين الذين وقفوا في وجوههم طيلة هذه السنين من الحرب، وهم من هم مكانة وشهرة في العالم؟
جمع هؤلاء الجنرالات السكان من رؤوس الجبال والسهول والأرياف والصحارى، وحشدوهم مع أهليهم وذويهم من نساء وأطفال وعجزة داخل معسكرات محاطة بأسلاك شائكة، ومن بعدها أقاموا عليهم حراسا شدادا غلاظا لا يعرفون للرحمة معنى، بعدما دكت منازلهم دكا وأتلفت محصولاتهم، وحرقت قراهم، بحيث ترك المسلمون كل ما كان لهم من دور ومتاع وضيعات، وأجبروهم على الاقامة في هذه المحتشدات مختلطين بعضهم ببعض كالحيوانات التي تساق الى الحضائر، وتركوهم فريسة للجوع والعري والأمراض، فكانت الأوبئة تفتك بهم فتكا عظيما، ففزع العالم عامة والشعب الفرنسي خاصة لما يجريه هؤلاء