للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما تحققت أحزاب اليمين، وفي مقدمتها غلاة المعمرين بهذه الشائعات ثارت على سياسة التفاوض والتخلي عن الجزائر الفرنسية، وأخذت تسعى للقضاء على كل من يريد أن يسلك هذا السبيل من الحكومة التي تريد المفاهمة والمفاوضة مع جيش التحرير، واتصلت هذه العناصر بقيادة الجيش العليا، فوجدت هذه القيادة متضمرة الى الغاية من هذه المحاولات التي يريد بعض الساسة من الفرنسيين أن يتلاعبوا بمصالح فرنسا العليا، ولهذا يتحتم على الجيش أن يتدخل في الشؤون السياسية، وكثيرا ما كان يوجه النقد الى الحكومات لتساهلها في إدارة انقال مراعاة لاعتبارات سياسية، بحيث كانت تمنع الجيش من تتبع الثوار وراء الحدود التونسية كما أنها كانت تتهاون في نشر أخبار تعذيب الجزائريين مما يثبط روح الجيش المعنوية، واستاء أيضا من مقتل ثلاثة من الفرنسيين نفذ فيهم حكم الاعدام جيش التحرير وذلك ردا على حكم الاعدام الذى نفذ من قبل في مواطنين جزائريين من طرف السلطة الفرنسية ...

من أجل هذا وغيره كان الجيش يريد انقلاب الحكومة ليقضى على أحزاب اليسار المتقدمين في فرنسا، يتولى مقاليد الحكم ليمحي عنه آثار الهزيمتين اللتين حلتا به ...

الأولى عند توقيع الهدنة مع ألمانيا ١٩٤٠م والثانية في حرب الهند الصينية وغيرها من الهزائم الأخرى التي كانت تحل بهذا الجيش المغتر بقوته الشامخ بأنفه الى السماء المزهو بكبريائه وطغيانه يغلب على طبعه التجبر من أن يتفاوض مع قادة جيش التحرير، وكيف يتفاوض معهم وهم قد تركوا جروحا غائرة وآثارا واضحة في ذاته، ووصمة عار في شرفه لا تمحى على مر الدهر.

هذا هو السبب في تأييد الجيش للانقلاب وغضبه الشديد على الجزائريين فإنه يرى كل مفاوضة أو تنازل من طرف السلطة العليا لقادة جبهة التحرير يمس بشرفه وعظمته وإذا كان شيء من هذا القبيل لا بد من خضوع الثوار الى الجيش الفرنسي أولا

<<  <   >  >>