للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخاض في تاريخ الاجيال الماضية والحاضرة يحكم حكما عدلا لا يخالطه شك ولا ريب بأنه ما حاق مكر السوء بأمة وما نزل بها البلاء والعذاب، وما مسها الضر في شيء إلا كانت هي الظالمة لنفسها بسبب تجاوزها لحدود الله، وانتهاك حرماته ونبذ تعاليمه القيمة وأوامره العادلة، وانحرافها عن سنته وشرائعه.

وصلت الامة الاسلامية الى هذه الحالة المزرية بالشرف والكرامة لأنها تنكرت لنعمة الاسلام الذى جمعها على التوحيد، وبه امتازت وسادت على المماليك والشعوب شرقا وغربا. ولما بدلت وغيرت غير الله ما بها. {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (١)، ويقول أيضا: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} (٢).

حظ الشعوب على مقدارها من الوحدة وما انحط شأن قوم وما هبطوا عن مكانتهم إلا من بعد رزئهم بالافتراق وابتلائهم بالشقاق والنفاق فيورثهم ذلك ذلا طويلا وعذابا وبيلا.

إن جشع السلطة الزمنية لهو أسوأ شكل المطموح، فهو السبب الذي لاقت منه الانسانية في حل زمان ومكان من بلايا ومحن أكثر من أي شكل آخر، فصاحب هذه السلطة لا يتردد في اختيار الوسيلة التي يستطيع عن طريقها أن يتوصل الى غايته ولو كانت عن طريق الجريمة، ومحاولة اصطناع المعروف ومكارم الأخلاق سواء بسواء فيتخذها لتضليل الناس ليبلغ أهدافه وغاياته، وهو لا يتردد في اتخاذ الدين خادما له وحينما يرتديه لباسا يكون لا أحد أقدر منه على خلق المشاكل والمصائب التي يتفتن في صبها على رؤوس البشر، هكذا فعل طلاب الملك بالأمة ولا زالوا يفعلون بها إلى الآن.

وبهذه الوسيلة سفكوا دماء غزيرة من أبناء جنسهم كل ذلك في سبيل الوصول الى السلطة والاحتفاظ بولاء الامة، فكانوا سببا في سقوط الخلافة الاسلامية التي هي ركن من أركان الدين


(١) سورة الانفال
(٢) سورة غافر

<<  <   >  >>