للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشبكة والسلاح والعدة والعتاد وكان فيهم الأمراء الأكابر الذين كانت لهم حمية الأسود الكواسر، فلم يزل في تقليل العدد حتى أصبح نحو عشرة الآلاف ثم أطمع التتار، وكشف لهم الحال، وضعف الرجال، فجاءوا، ولم يكتف بالذي قدمه بل انهم عندما أقبلوا كالوحوش الضارية حسن للخليفة مصالحتهم على أن ينزل على نصف خراج العراق، ويكون للخليفة النصف الآخر فرضى، وذهب الخليفة ليفاوض فأعاده هولاكو مذموما مدحورا اذ قد أشار الوزير العلقمي في الوقت نفسه على هولاكو ألا يقبل المصالحة لأن الخليفة ينقضها بعد سنة، وأشار عليه بقتله، وأيد العلقمي نصير الطوسي الذى كان في صحبة هولاكو وخدمته.

قتل الخليفة بإشارة الروافض، وانساب التتار، يقتلون ويخربون في بغداد ولم ينج من أهل بغداد الا اليهود والنصارى ومن لجأ الى العلقمي، فهؤلاء وحدهم كان لهم الأمان، أزيلت قصبة الدولة الاسلامية على أيدى عبدة الشمس، وأغراهم بعض الشيعة فلم هذا؟ لم يؤتون حكم الطاغوت على حكم المسلمين؟ لعل السبب في ذلك أنهم يرون في المسلمين الذين يخالفون طريقتهم ضلالا، وهذا السبب عام، ومن هناك سبب خاص لعله كان أقوى تأثيرا، وذلك أنه كان في سنة هـ وهى سنة السابقة على تخريب بغداد، كان بين أهل السنه والرافضة حرب مذهبية نهب فيها بلاد الكرخ ومحلة الرافضة، حتى نهب دور أناس ذوى قرابات للعلقمي، فأثار ذلك حنقه وهياجه على أن دبر للإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع الذى لم يؤرخ أبشع منه منذ بنيت بغداد (١).

وسواء أكان القتال بين الرافضة وغيرهم ما يبرره فان هذا يعطينا صورة عن هذا العصر كيف كان المسلمون في هذا الزمن، والبلاء بلاء وهو ابادة لا تبقى ولا تذر، ولا تفرق بين مذهب ومذهب كانوا يتناحرون في نحلهم، هؤلاء يقتتلون والتتار قد أزالوا كل ما وراءهم من بلاد، ثم تعطينا صورة أخرى أشد اقتاما، تبين كيف يعمى التعصب المذهبي القلب والبصيرة،


(١) تاريخ البداية والنهاية لابن كثير

<<  <   >  >>