يعززون به تفكيرهم العلمي ولم تستهوهم الثقافة اليونانية ولا حضارتهم الأدبية إذ أحسوا بما بين الحضارة التي كانت تمخض في شعورهم وتقديرهم للحياة وبين حضارة اليونان الاجتماعية من مهاو سحيقة فأعرضوا عن شعورهم وموسيقاهم ونظم إحيائهم، لذلك لا تجد في شعر العرب شيئا من إبهام بيندار وأوريبين وهيوس، وهذا الأخير بقي مجهولا حتى ترجمة البستاني في أوائل هذا القرن، وقد برز العرب في تقدمهم في علوم الآلات وتوازن السوائل ونظريات الضوء والإبصار والهندسة وعلم الهيئة فوضعوا علم الكيمياء واكتشفوا أجهزة للتقطير وأوجدوا الأسطرلاب ووضعوا جداول الأوزان النوعية والأرياح الفلكية. وهم واضعوا علم الجبر والأرقام. وما كاد ينقضي القرن الثامن الميلادي حتى كان هارون الرشيد يسير شوطًا بعيدًا في مضمار الرقي ليسلم إلى المأمون سنة ٨١٣ المدينة التي أصبحت عاصمة العلم الكبرى في ذلك الزمان.
ويذكر التاريخ أن هارون الرشيد كان أرسل إلى شارلمان ساعة تدل على الزمان بحركة من الشريط المربوط فأفزعت حركتها هذا الملك حتى أمر بكسرها.
أبعد هذا يصح لقائل أن يقول إن رسالة الشرق روح وشعور فقط وأن رسالة الغرب عقل ومنطق؟
إن مناظري قد ضيق عدسة منظاره، وحدق على مجال من الزمان لا يزيد على قرن ونصف قرن متطلعا إلى الرقي العلمي في طوره الأخير فخيل له أن الغرب قد أوجد وأبدع وأكمل بعقليته الآرية، ثم التفت إلى الشرق العربي وهو خارج محطما من عبودية نيف وأربعة قرون فحسب أن السامية العربية هي ما لمحه من عدسة منظاره.