قلت: إن الثقافة اللاتينية خلاصة كل مزية وأن الثقافة السكسونية جامعة لكل المزايا أو لو أنني قلت أن الأمة اللاتينية أدبت وعقمت فما أنتجت ناقدًا يؤخذ برأيه في نقد الكتاب والشعراء، وأن الأمم السكسونية استأثرت بالعبقرية الأدبية فما نبغ في غيرها ناقد ولا شاعر ولا أديب. لأن الدكتور يسألني عن سانت بيف وأضرابه من نقاد فرنسا، ما رأيي فيهم وما حكمي على طريقهم. ويستكثر على أن أجرد اللاتينية من ملكات الثقافة وفيهم أمثال هؤلاء الأعلام.
فالدكتور يقول "للأستاذ أن يدرس على مهل وفي أناة وروية من شاء من النقاد المحدثين في أي أمة من الأمم الأوروبية فسيرى أن هؤلاء النقاد جميعًا يتفقون في أن نقدهم يقوم على هذين الأصلين اللذين أشرت إليهما وأنا أستعير عبارته فأقول: إن على الدكتور أن يدرس على مهل وفي أناة وروية سانت بيف وتين وفاجيه وأناتول فرانس ولامثيه، فسيرى أن هؤلاء النقاد يؤيدون رأيي وينقضون ما قرره.
أليس معنى هذا أن القواعد والمراسيم الاجتماعية تغلب على عبقرية اللاتين وأن بساطة الحياة العادية من أكلاف المراسيم تغلب على عبقرية السكسون، وأنه أي النقد اللاتيني إذا التفت إلى "الخصائص الإنسانية الحية" فإنما يلتفت إليها تبعا لتلك القواعد والمراسم الاجتماعية.
ونحن لم نعمد إلى هذه التفرقة كما ظن صديقنا ابتغاء المجاملة للأستاذ الجميل فقد سبقه إلى مثل هذه التفرقة في فصل استكتبتنا إياه شركة لاروس قبل ثلاث سنوات ونشرته في كراستها التي تجمعها عن الشعوب الشرقية والغربية، فهنالك قسمنا أدباءنا إلى دارسين للثقافة اللاتينية ودارسين للثقافة