للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا أعرضت عن هذا التراث فلم تأخذ به ولم تلتفت إليه ولم تجعله أصلا من أصول حياتها المقومة لها. وما من شك في أن هذا العقل قد كان مقياسًا لحضارة الأمة العربية بعد أن هديت إلى الإسلام وقال التاريخ: إنها بلغت أرقى ما استطاعت أن تبلغ من الحضارة الراقية المزدهرة أيام بني العباس حين عرفت فلسفة اليونان وعلمهم وفنهم الرفيع وفنونهم التطبيقية أيضًا. وحين شاركت في هذا كله فنمته وأضافت إليه.

ثم قال التاريخ: إنها أخذت تخلص من هذا الجمود والهمود وتسترد حظها في الحياة والنشاط ونباهة الذكر في هذا العصر الحديث لأنها اتصلت بهذا التراث العقلي القديم الذي أهدته إلى أوروبا وأعرضت عنه وقتا ما.

سألت نفسي إذن عن نشأة العقل العربي الإسلامي الذي ملأ الأرض في بعض عصور التاريخ علما وأدبا وفلسفة وفنا فرأيت، وأظن أن المثقفين كلهم يرون كما رأيت. إن هذا العقل إنما نشأ ونما وأنتج حين اتصلت الأمة العربية بعد الفتح بالأمم الأجنبية الأخرى وحين أعطتها وأخذت منها. أعطتها دينا ولغة وأدبا؛ وأخذت منها علما وفلسفة وفنا وسياسة وإدارة وتدبيرًا. ونشأ عن هذا الأخذ والعطاء مزاج خاص، هو هذا العقل العربي الذي نراه فيما نقرأ من آثار أدبائنا وعلمائنا وفلاسفتنا.

مهما يكن من شيء فالعقل العربي الإسلامي إنما نما وأثمر وأنتج حين اتصل بالعقل اليواناني بل حين امتزج بل حين أساغه وتمثله وجعله مقوما لنفسه ومشخصا لحياته.

<<  <   >  >>