للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو١ أن هذه المعاني قالها رجل غير صديقي الدكتور طه وكان له من المكانة من نفسي ما للدكتور طه لناقشته في الحال فيها، لأنني كما يعلم الدكتور طه رجل يؤمن بعربية مصر، ويرى في تاريخ العرب مثلا عليا ويضع الوحدة العربية بين ناظريه أسمى غايات الحياة.

فإما أن يكون الدكتور طه حسين لا يرى رأيي في عربية مصرية ولا في الوحدة العربية وله كامل الحرية فيما يعتقده وليس لأحد أن يحاول اضطهاده في عقيدته، أما إننا على تمام الاتفاق، فهذا هو الجوهر في الأمر.

لقد دلتني تجارب عشرين سنة في السياسة ومخالطة الشعوب والقبائل المجاورة لمصر في الجنوب أو الغرب أو الشرق على وحدة جلية، فما شعرت في وجودي جنوبي حلفا بأنني غريب عن إخواني السودانيين بل كانت عزتي فيهم صادرة عن الشعور بالوحدة التي تقوم على نسب مشترك وأدب مشترك ولسان مشترك، وفي برقة ما كنت أظن إلا أنني في عشيرتي وفي فلسطين لا يجد المصري نفسه إلا في قومه الأقربين، ذلك كله جلي ملموس.

أما كيف صارت هذه الوحدة وكيف أصبحت مصر عربية وفي مكان القلب من جسم الأمة العربية فذلك ما فعلته آلاف السنين، فقد اندمجت مصر في الأمة العربية بحيث أضحى قيام الفكرة العنصرية على غير هذا الأساس منافيا للحقيقة الواقعة والدعوة إلى الباطل، لقد فعلت آلاف السنين فعلها لأن مما لا شك فيه أن امتزاج العرب بقدماء المصريين واشتراكهم مع العرب في أرومة واحدة هو قول يؤيده ما بين الهيروغليفية والعربية من التشابه القوي، وقد


١ البلاغ ١١ سبتمبر ١٩٣٣.

<<  <   >  >>