في بعض القرون لغة السوق والمدرسة في إسبانيا وإيران كما ترى هي لغة السوق والمدرسة في مصر والشام والعراق والمغرب.
فلما ضعفت سلطة الدولة العربية تقلصت العربية عن البلاد غير السامية، ولكنها رسخت في البلاد السامية وصارت عنوان قومية واحدة من الموصل إلى رباط الفتح.
بل إن "مينا" وهو عنوان مجد مصر الفرعونية رجل آسيوي جاء إلى مصر من آسيا.
لا شك أنه جاء عن طريق سيناء العربية أو من جبال وأودية أخرى وراء سيناء وأعمق في العروبة، وماذا يمنع من القول بأن مينا ابن جزيرة العرب! إن جزيرة العرب تغذي مصر بأبنائها من قبل مينا، ومن بعد مينا ومن قبل عمرو بن العاص ومن بعد عمرو بن العاص، وأن فرعون نفسه كانت تجول في عروقه دماء غير قليلة من الدماء التي كانت تجول في عروق عدنان.
ومصر تتكلم العربية منذ أربع عشر قرنا ومع ذلك لا يزال يوجد فيها من يريد أن يقول إنه غير عربي، وأكثر القائمين بالقضية التركية في الأناضول يرجعون أنسابهم إلى الجركس والكرد أو اللاز أو الأرناؤوط ولم يتكلموا التركية إلا من مائة سنة أو مائتي سنة بالأكثر ومع ذلك يعتزون بالتركية فهل مائة السنة أو المائتان كافية ليكون القوم هناك أوفياء للغة التركية إلى هذا الحد والأربعة عشر قرنا التي مضت على العروبة في مصر غير كافية لتجعل مصر -تعلن من غير خوف ولا إحجام- أنها عربية.
إن الحلقوم الكبير الذي أراد منذ مائة عام أن يبتلع الشرق الإسلامي خاف هذه اللقمة وخاف أن يغص بها. فبث ببراعة مدهشة نزعة القوميات التي صدعت المجامع الإسلامية ومزقتها. ثم وقف أمام القومية العربية فهابها ورآها