لقمة من شأنها أن يغص بها. فاخترع ببراعة هذه الوطنيات بل حاول في بعض الأحيان تمزيق العربية نفسها بالدعوة إلى كتابة اللهجات العامية في كل قطر وجعلها لغات أدبية. "وهل إحياء عنوان "الأشوريين" في العراق بعد أن أماتته القرون وإحياء العرف البربري في شمال أفريقيا وتأليف كتب نحو وصرف للغة البربرية إلا حلقات من سلسلة برنامج مرسوم ونحن نضع أعناقنا في هذه السلسلة لنختنق بها. ونحسب أنها حلية نتجمل بها، وهل أنبه إلى أن الإدارة بفلسطين أرادت قبل سنين أن تحيي اسم "فينيقيا" وتطلقه على المقاطعة الشمالية الغربية هناك.
اجتهد الإنجليز وصنائعهم من عهد بعيد أن يوهموا النشء المصري بأن وجود العربية والإسلام في مصر إنما هو احتلال كالاحتلال الفارسي واليوناني والروماني والفرنسي والإنجليزي.
والمعنى الحقيقي للاحتلال أن تستولي دولة على بلد وتتصرف في مرافقه وتبقيه غريبا عنها، هكذا كان حال الفرس واليونان والرومان قبل دخول مصر في الإسلام، وهكذا كان حال احتلال الفرنسيين ثم احتلال الإنجليز فهم يترفعون عن الامتزاج بالأمة المصرية ولا يساوونها بهم ولا يخطر في بالهم أن يعتبروها منهم.
أما العرب ففي عشرين سنة فقط اختلطوا بالمصريين واتحدوا معهم بالدين واللغة والثقافة وصار لهم وعليهم وتولى أبناء مصر جميع مرافق الحكم والإدارة.
فالذي قال عن المصريين "أنهم خضعوا لضروب من البغض وألوان من العدوان جاءتهم من الفرس واليونان وجاءتهم من العرب والترك والفرنسيين ... إلخ فقد خالف الحقيقة بما نسب إليهم من ضروب البغض وألوان العدوان،