نفر تثقفوا ثقافة غربية من غير أن يكون لأحدهم من الثقافة الإسلامية نصيب مذكور, والغرب والشرق على طرفي نقيض, لا يلتقيان, كما يقول ريارد كيلنج إن كان من الممكن أن يلتقيا في العلم الذي هو معجزة الغرب والذي هو جزء من الإسلام الذي يدين به الشرق. لكن الذين أثاروا مسألة القديم والجديد لم يكونوا يعرفون. ولعل أنصارهم لا يزالون يجهلون أن العلم الذي يظهر به الغرب هو في الإسلام جزء من الدين، وأن المدنية الغربية ليس فيها ما يستحق أن يطلب ويؤخذ إلا ذلك العلم الطبيعي الذي اهتدى إليه الغرب بالعقل والتجربة والذي يمثل فطرة الله التي فطر عليها الأشياء. أما فطرة الله التي فطر الناس عليها فتلك يمثلها الإسلام عن يقين. فكأن الغرب والشرق قد اقتسما علم الفطرة؛ علمها الغرب في الماديات بالعلم والتجربة, وعلمها الشرق في الروحانيات والاجتماعيات بالدين والوحي فكان الشرق مخطئا حين لا يأخذ بعلم الغرب وكان الغرب ضالا حين يخالف الإسلام.
علم الغرب الطبيعي ودين الشرق الإسلامي, هذا هو سبيل التمدن الصحيح لمن يريد أن يكون مجددا مصلحا؛ يجدد للشرق شبابه ومجده من غير أن يعرضه لشر ما يهدد الغرب من أخطار.
لكن دعاة التجديد الذين جاءا بعدهما "بعد جمال الدين ومحمد عبده" ولم يكن لهما مثل علمهما ضلوا سبيل الدعوة. وصدقوا الغرب في ظنه الذي ظن بالإسلام من أنه كان سبب تأخر الشرق. ولما لم يطيقوا أن يهاجموا الإسلام مواجهة فيدعو الناس صراحة إلى نبذه, إلى مهاجمته مداورة بدعوة الناس إلى قبول كل ما عليه الغرب إن كانوا يريدون أن يكون لهم ما للغربيين من قوة وحياة. وزعموا للناس أن المدنية الغربية كل لا يتجزأ فإما أن تؤخذ