ونقلدها تقليدا مستمرا وننكر في الوقت نفسه النظر إلى أوربا والانتفاع بما خضعت له من التجارب ولما اختلف عليها من الحظوظ".
وطالما قرأت لغيره من ذوي الرأي وسمعت منهم حين يتحدثون في اتخاذ طرائق الغربيين أو تجنبها، ما يخالف رأي الأستاذ الصديق ويغايره، وعندئذ يتردد إلى خاطري سؤال فأقول في نفسي: أيهما يا ترى أهدى إلى الحق وأدنى إلى سبيله؟ أذلك الذي يجد أن حياتنا الاجتماعية تظل في عوج واضطراب ما دمنا لا نحتذي أثر الغرب ونقدم على اصطناع مثله في صراحة وعزم؟ أم ذلك الذي يرى أن أمتنا ليست كأمم الغرب في كل شيء، وأن اتخاذ أكثر من نظم الغربيين لا يجدي في رقينا وإسعادنا، وقد يعود علينا بالشقوة والخسران؟
وفي الحق أنني طالما عجزت عن الجواب على هذا السؤال، وتولتني منه حيرة من هذه الحيرات التي تتجمع فيها النفس لتستعين بالله عساه يقرها إلى رأي ويسكنها إلى مذهب تجد عنده راحة اليقين وتتخلص به من ألم الحيرة.
كدت أشعر أحيانا بدافع إلى الميل لرأي زميلي طه فهؤلاء ذوو الشأن فينا يتأثرون بالغربيين في غير هوادة ولا مبالاة، فأوربا إمام في التعليم وأوربا إمام في أكثر مسائل التشريع، وأوربا إمام في أكثر مظاهر الأخلاق والنظم وقد يجرنا القادة إلى اتباع أوربا فيما هو أبعد الأمور عن طباعنا, فهل من المستطاع حقا بعد ذلك أن يسهل علينا الرجعة والنكوص؟
سبحانك اللهم, أي السبيلين لنا فيه هدى وتوفيق؟
على أنني بعد هذا الجذب الذي يراد به تقريبي إلى ما يقولون. أعود فأستمع من أعماق القلب صوتا مدويا يشق سبيله إلى عقلي الحائر فأقول إلى