والآن علنا أن نستعرض القضية من أولها ذلك أن هذا التحول كان بعيد الأثر في الفكر العربي المعاصر وهو ليس هينا على النحو الذي يبدو من المساجلة ولكنه كان عميقا وخطيرًا بالنسبة للمثقفين الذين سافروا إلى أوربا واعتنقوا مذاهب الغرب في الفكر ثم فقدوا ثقتهم في هذا الفكر فيما بعد ولذلك يعرض هيكل هذه القضية عندما أصدر "جب" كتابه وجهة الإسلام قال:
عاد هؤلاء "المبعوثون من شباب العرب" إلى بلادهم يبشرون بالحضارة الغربية، لكنهم ما لبثوا أن صدمتهم ظاهرتان عجيبتان أثارتا دهشتهم لتناقضها مع أصول الحضارة الغربية تناقضا بينا، الأولى هذه الحرب المنظمة التي يقوم بها الاستعمار الأوروبي لحرية العقل حرية مستندة إلى النظام الجامعي الذي يقرر البحث العلمي الطليق من كل القيود سواء أكانت دينية أم غير دينية والمستند إلى القواعد العلمية الصحيحة. وقد راعهم من هذه الحروب أنها لم تكن تقبل هوادة قط وأن ممثل إنكلترا في مصر لم يكن يأبى أن يكتب في تقاريره أن مصر بغير حاجة إلى علماء بالمعنى الغربي وإنما هي بحاجة إلى موظفين مطواعين.
والظاهرة الثانية: انتشار المبشرين الغربيين في كل مكان في المدن الكبيرة والصغيرة بل في القرى يدعون إلى المسيحية ولا يأبون التعريض بالإسلام. وبالرغم من هاتين الظاهرتين ظل هؤلاء الشبان يدعون إلى الحضارة الغربية مستندة إلى أصلها الصحيح. أي إلى حرية البحث ونزاهة العلم ويدعون إلى ذلك في حرارة لم تكن من شأن الجامدين على التقليد الديني الذين رموهم بالإلحاد، إلا أن زادها قوة استعارا، ولكن مرور الزمن فتح عيونهم على حقيقة أخرى لم تكن أقل إثارة لدهشتهم من